للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبراهيم - وهو أمير على مكّة - يأمره بحبس رجل من آل عليّ بن أبي طالب كان بمكة، وبحبس ابن جُريج وعباد بن كثير والثوريّ، قال: فحبسهم؛ فكان له سُمَّارة يسامرونه بالليل؛ فلما كان وقت سَمره جلس وأكبَّ على الأرض ينظر إليها، ولم ينطق بحرف حتَّى تفرّقوا. قال: فدنوتُ منه فقلت له: قد رأيتُ ما بك، فما لك؟ قال: عمَدتُ إلى ذي رحِم فحبستُه، وإلى عيونٍ من عيون النَّاس فحبستُهم، فيقدم أميرُ المؤمنين ولا أدري ما يكون؛ فلعلَّه أن يأمر بهم فيقتلوا، فيشتدَّ سلطانه وأهْلِكَ ديني؛ قال: فقلت له: فتصنع ماذا؟ قال: أوثر الله، وأطلِق القوم؛ اذْهَبْ إلى إبلي فخُذْ راحلةً منها، وخذ خمسين دينارًا فأت بها الطالبيّ وأقرئه السَّلام، وقل له: إن ابن عمك يسألك أن تحلله من ترويعه إياك وتركب هذه الراحلة وتأخذ هذه النفقة قال فلما أحسَّ بي جعل يتعوذ بالله من شرعي فلما أبلغته قال: هو في حل ولا حاجة لي إلى الراحلة ولا إلى النفقة، قال: قلت: إنّ أطيب لنفسه أن تأخذ، ففعل. قال: ثم جئتُ إلى ابن جُريج وإلى سفيان بن سعيد وعباد بن كثير فأبلغتهم ما قال، قالوا: هو في حلّ، قال: فقلت لهم: يقول لكم: لا يَظهرَنّ أحد منكم ما دام المنصور مقيمًا. قال: فلما قرب المنصور وجَّهني محمَّد بن إبراهيم بألطاف، فلما أخبِرَ المنصورُ أنّ رسول محمَّد بن إبراهيم قدم، أمر بالإبل فضرِبت وجوهها.

قال: فلما صار إلى بشر ميمون لقيه محمَّد بن إبراهيم، فلما أخبِر بذلك أمر بدوابِّه فضرِبت وجوهها، فعدل محمَّد، فكان يسير في ناحية. قال: وعدل بأبي جعفر عن الطَّريق في الشقّ الأيسر فأنيخ به، ومحمد واقف قُبالته، ومعه طبيب له، فلما ركب أبو جعفر وسار، وعديلُه الرَّبيع أمر محمَّد الطَّبيب فمضى إلى موضع مناخ أبي جعفر، فرأى نجْوه، فقال لمحمد: رأيتُ نجوَ رجل لا تطول به الحياة؛ فلما دخل مكّة لم يلبث أن مات وسلِم محمَّد.

واختُلف في سبب الوجع الذي كانت منه وفاته، فذُكر عن عليّ بن محمَّد بن سليمان النوفليّ، عن أبيه، أنَّه كان يقول: كان المنصور لا يستمرئ طعامه؛ ويشكو من ذلك إلى المتطبِّبين ويسألهم أن يتخذوا له الجوارشنات؛ فكانوا يكرهون ذلك ويأمرونه أن يُقلّ من الطعام، ويخبرونه أن الجَوارشنات تُهضم في الحال، وتُحدِث من العلّة ما هو أشدّ منه عليه؛ حتَّى قدم عليه طبيب من أطبَّاء

<<  <  ج: ص:  >  >>