الهند، فقال له كما قال له غيره؛ فكان يتَّخذ له سَفوفًا جَوارشنًا يابسًا، فيه الأفاويه والأدوية الحارة، فكان يأخذه فيهضم طعامه فأحمده. قال: فقال لي أي: قال لي كثير من متطبّبي العراق: لا يموت والله أبو جعفر أبدًا إلَّا بالبَطْن، قال: قلت له: وما علمك؟ قال: هو يأخذ الجوارِشن فيهضم طعامه؛ ويخلق من زئير مَعِدَتِهِ في كلّ يوم شيئًا، وشحم مصارينه، فيموت ببطنه. وقال لي: اضْرب لذلك مثلًا، أرأيت لو أنك وضعت جَرًّا على مَرْفع، ووضعت تحتها آجرّة جديدة فقطرتْ، أما كان قَطْرها يثقب الآجرّة على طول الدهر! أو ما عملت أن لكلّ قطرة خدًّا! قال: فمات والله أبو جعفر - كما قال - بالبطن.
وقال بعضهم: كان بدءُ وجعه الذي مات فيه من حرٍّ أصابه من ركوبه في الهواجر، وكان رجلًا محرورًا على سنّه، يغلب عليه المرار الأحمر، ثم هاض بطنه، فلم يزل كذلك حتى نزل بستَانَ ابن عامر، فاشتدّ به، فرحل عنه فقصَّر عن مكّة، ونزل بشر ابن المرتَفِع، فأقام بها يومًا وليلة، ثم صار منها إلى بئر ميمون؛ وهو يسأل عن دخوله الحرَم، ويوصي الرّبيع بما يريد أن يوصيَه، وتُوُفِّيَ بها في السَّحَر أو مع طلوع الفجر ليلة السبت لستٍّ خلوْن من ذي الحجَّة، ولم يحضره عند وفاته إلَّا خدَمه والربيع مولاه، فكتم الرَّبيع موتَه، ومنع النساء وغيرهنّ من البكاء عليه والصُّراخ، ثم أصبح فحضر أهلُ بيته كما كانوا يحضرون، وجلسوا مجالسهم، فكان أول من دُعي به عيسى بن عليّ، فمكث ساعة، ثم أذن لعيسى بن موسى - وقد كان فيما خلا يقدَّم في الإذن على عيسى بن عليّ، فكان ذلك مما ارتيب به - ثم أذن للأكابر وذوي الأسنان من أهل البيت، ثم لعامَّتهم؛ فأخذ الرَّبيع بيعتَهم لأمير المؤمنين المهديّ ولعيسى بن موسى من بعده، على يد موسى بن المهديّ حتَّى فرغ من بيعة بني هاشم، ثم دعا بالقوّاد فبايَعوا ولم ينكل منهم عن ذلك رجل إلَّا عليّ بن عيسى بن ماهان؛ فإنَّه أبي عند ذكر عيسى بن موسى أن يبايع له، فلطمه محمَّد بن سليمان، وقال: ومن هذا العلج! وأمصَّه، وهمّ بضرب عنقه، فبايع، وتتابع النَّاس بالبيعة. وكان المسيب بن زهير أوّلَ مَن استثنى في البيعة، وقال: عيسى بن موسى: إن كان كذلك. فأمْضَوْه.
وخرج موسى بن المهديّ إلى مجلس العامة، فبايع مَنْ بقي من القواد