فلم أزل أضرب به رأسَه حتَّى كسّرتُه، ثم قال: أخرِجْه من قصري، واذهب به إلى حمران بالكَرْخ، وقل له يبيعه.
وذكر العباس بن الفضل عن سلّام الأبرش، قال: كنت وأنا وصيف وغلام آخر نخدم المنصورَ داخلًا في منزله، وكانت له حجرة فيها بيت وفُسطاط وفراش ولحاف يخلو فيه، وكان من أحسن النَّاس خُلُقًا ما لم يخرج إلى النَّاس، وأشدّ احتمالًا لما يكون من عبث الصبيان؛ فإذا لبس ثيابه تغيَّر لونُه وتربّد وجهه، واحمرّت عيناه، فيخرج فيكون منه ما يكون، فإذا قام من مجلسه رجع بمثل ذلك؛ فنستقبله في ممشاه، فربّما عاتبناه.
وقال لي يومًا: يابنيّ إذا رأيتَني قد لبست ثيابي أو رجعت من مجلسي؛ فلا يدنُوَنّ مني أحد منكم مخافة أن أعرّه بشيء.
وذكر أبو الهيثم خالد بن يزيد بن وهب بن جرير بن حازم، قال: حدّثني عبد الله بن محمَّد - يلقب بمنقار من أهل خراسان وكان من عمال الرشيد - قال: حدّثني معن بن زائدة، قال: كُنَّا في الصّحابة سبعمئة رجل؛ فكنا ندخل على المنصور في كل يوم، قال: فقلت للربيع: اجعلني في آخِر مَنْ يدخل، فقال لي: لستَ بأشرفهم فتكون في أوّلهم، ولا بأخسِّهم نسبًا فتكونَ في آخرهم؛ وإن مرتبتك لتشبه نسبَك. قال: فدخلتُ على المنصور ذات يوم وعليّ دُرَّاعةٌ فضفاضة وسيف حنفيّ، أقرع بنعله الأرض، وعمامة قد سدلتها من خلفي وقُدّامي. قال: فسلّمت عليه وخرجت، فلمَّا صرت عند السِّتْر صاح بي: يا معن، صيحة أنكرتها! فقلت: لبيك يا أمير المؤمنين! قال: إليّ، فدنوت منه، فإذا به قد نزل عن عرشه إلى الأرض، وجثا على ركبتيه، واستلّ عمودًا من بين فراشيْن، واستحال لونه وَدرَّت أوداجه، فقال: إنك لصاحبي يوم واسط؛ لا نجوتُ إن نجوتَ مني، قال: قلت يا أمير المؤمنين، تلك نصرتي لباطلهم، فكيف نصرتي لحقك! قال: فقال لي: كيف قلتَ؟ فأعدتُ عليه القول، فما زال يستعيدني حتَّى ردّ العمود في مستقرّه، واستوى متربعًا، وأسفَر لونه، فقال: يا معن، إنّ لي باليمن هنات، قلت: يا أميرَ المؤمنين ليس لمكتوم رأي، قال: فقال: أنت صاحبي، فجلست، وأمر الرَّبيع بإخراج كلّ مَنْ كان في القصر فخرج، فقال لي: إن صاحب اليمن قد همّ بمعصيتي، وإني أريد أن آخذه أسيرًا ولا يفوتني