للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيء من ماله، فما ترى؟ قال: قلت: يا أميرَ المؤمنين، وَلِّنِي اليمن، وأظهِر أنك ضممتني إليه، ومرِ الرَّبيع يُزيح علتي في كلّ ما أحتاج إليه، ويخرجني من يومي هذا لئلا ينتشر الخبر. قال: فاستلّ عهدًا من بين فراشيْن، فوقَّع فيه اسمي وناولنيه، ثم دعا الرَّبيع، فقال: يا ربيع، إنا قد ضممنا مَعْنًا إلى صاحب اليمن، فأزح عِلّتَه فيما يحتاج إليه من الكُراع والسلاح، ولا يُمسي إلَّا وهو راحل. ثم قال: ودِّعني، فودّعته وخرجتُ إلى الدِّهليز، فلقيني أبو الوالي، فقال: يا معن، أعزِزْ عليّ أن تضمّ إلى ابن أخيك! قال: فقلت: إنَّه لا غضاضة على الرجل أن يَضُمَّه سلطانه إلى ابن أخيه، فخرجت إلى اليمن فأتيت الرّجل، فأخذته أسيرًا، وقرأت عليه العهد، وقعدت في مجلسه.

وذكر حمّاد بن أحمد اليمانيّ، قال: حدّثني محمَّد بن عمر اليماميّ أبو الرُّدينيّ، قال: أراد معن بن زائدة أن يوفِد إلى المنصور قومًا يسلُّون سخيمته، ويستعطفون قلبَه عليه، وقال: قد أفنيت عمري في طاعته، وأتعبتُ نفسي وأفنيت رجالي في حرب اليمن، ثم يسخط عليّ أن أنفقتُ المال في طاعته! فانتخب جماعة من عشيرته من أفناء ربيعة؛ فكان فيمن اختار مُجّاعة بن الأزهر، فجعل يدعو الرّجال واحدًا واحدًا، ويقول: ماذا أنت قائل لأمير المؤمنين إذا وجّهتُك إليه؟ فيقول: أقول وأقول، حتَّى جاءه مُجّاعة بن الأزهر، فقال: أعزّ الله الأمير! تسألني عن مخاطبة رجل بالعراق وأنا باليمن! اقصد لحاجتك، حتَّى أتأتَّى لها كما يمكن وينبغي فقال: أنت صاحبي، ثم التفت إلى عبد الرحمن بن عتيق المزني، فقال له: شُدّ على عَضُد ابن عمّك وقدّمه أمامك؛ فإن سها عن شيء فتلافه. واختار من أصحابه ثمانية نفر معهما حتَّى تمُّوا عشرة، وودّعهم ومضوْا حتَّى صاروا إلى أبي جعفر، فلما صاروا بين يديه تقدّموا، فابتدأ مُجّاعة بن الأزهر بحمد الله والثناء عليه والشكر، حتَّى ظنّ القوم أنَّه إنَّما قصد لهذا، ثم كرّ على ذكر النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكيف اختاره الله من بطون العرب، ونشر من فضله؛ حتَّى تعجّب القوم، ثم كرّ على ذكر أمير المؤمنين المنصور، وما شرَّفه الله به، وما قلّده، ثم كرّ على حاجته في ذكر صاحبه. فلما انتهى كلامه، قال المنصور: أمَّا ما وصفتَ من حمد الله، فالله أجلُّ وأكبر من أن تبلغه الصفات، وأمَّا ما ذكرت من النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقد فضله الله بأكثر مما قلتَ، وأمَّا ما وصفتَ به أمير

<<  <  ج: ص:  >  >>