للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: تهب لي مالًا. قال: فأمر له بثلاثين ألف درهم، تمام مائة ألف درهم، وصرفه إلى منزله.

وذكر عن محمَّد بن سالم الخوارزميّ - وكان أبوه من قوّاد خراسان - قال: سمعتُ أبا الفرج خال عبد الله بن جبلة الطالقانيّ يقول: سمعت أبا جعفر يقول: ما كان أحوجَني إلى أن يكون على بأبي أربعة نفر لا يكون على بأبي أعفّ منهم، قيل له: يا أميرَ المؤمنين، مَنْ هم؟ قال: هم أركان المُلْك، ولا يصلح المُلك إلَّا بهم؛ كما أن السرير لا يصلح إلَّا بأربع قوائم، إن نقصت واحدة وهَى؛ أما أحدهم فقاضٍ لا تأخذه في الله لومةُ لائم، والآخر صاحب شُرْطة ينصف الضعيف من القويّ، والثالث صاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعيّة فإني عن ظلمها غنيّ، والرابع - ثم عضّ على أصبعه السبابة ثلاث مرات، يقول في كل مرَّة: آه آه - قيل له: ومَنْ هو يا أمير المؤمنين؟ قال: صاحب بريد يكتب بخبر هؤلاء على الصحّة.

وقيل: إنّ المنصور دعا بعامل من عمّاله قد كسر خراجه، فقال له: أدّ ما عليك، قال: والله ما أملك شيئًا، ونادى المنادي: أشهد أن لا إله إلَّا الله، قال: يا أميرَ المؤمنين، هبْ ما عليّ لله ولشهادة أن لا إله إلَّا الله فخلّى سبيله.

قال: وولّى المنصور رجلًا من أهل الشَّام شيئًا من الخراج، فأوصاه وتقدَّم إليه، فقال: ما أعرفَني بما في نفسك الساعة يا أخا أهل الشَّام! تخرج من عندي الساعة، فتقول: الزم الصّحة؛ يلزمك العمل.

قال: وولّى رجلًا من أهل العراق شيئًا من خراجِ السواد، فأوصاه، وتقدّم إليه، فقال: ما أعرفني بما في نفسك! تخرج الساعة فتقول: من عالَ بعدها فلا اجتبرَ. أخرج عني وامضِ إلى عملك؛ فوالله لئن تعرّضْتَ لذلك لأبلغنّ من عقوبتك ما تستحقّه. قال: فولّيا جميعًا وصحّحا وناصحا.

ذكر الصبّاح بن عبد الملك الشيبانيّ، عن إسحاق بن موسى بن عيسى؛ أنّ المنصور ولّى رجلًا من العرب حضرموت، فكتب إليه وإلى البريد أنَّه يكثر الخروجَ في طلب الصّيد ببزاةٍ وكلاب قد أعدّها، فعزله وكتب إليه: ثكلتْك أمك وعدمتك عشيرتك! ما هذه العِدّة التي أعددتها للنكاية في الوحش! إنا إنَّما استكفيناك أمور المسلمين، ولم نستكفك أمورَ الوحش؛ سلم ما كنت تلي من

<<  <  ج: ص:  >  >>