قال: فلم تتبيَّن للمنصور مقالته، فقال: يا ربيع، ما يقول؟ فقال: يقول:
العَبْدُ عبدُكمُ والمالُ مالكُمُ ... فهلْ عذابُك عني اليومَ مُنْصَرِفُ!
قال: يا ربيع، قد عفوتُ عنه؛ فخلّ سبيله، واحتفظ به، وأحسن ولايته.
قال: ورُفع رجل إلى المنصور يشكو عامله أنَّه أخذ حدًّا من ضيعته، فأضافه إلى ماله، فوقّع إلى عامله في رقعة المتظلم: إن آثرتَ العدل صحبتْك السلامة، فأنصف هذا المتظلّم من هذه الظلامة.
قال: ورفع رجل من العامّة إليه رقعة في بناء مسجد في محلته، فوقّع في رقعته: من أشراط الساعة كثرة المساجد، فزد في خطاك تزدد من الثواب.
قال: وتظلّم رجل من أهل السواد من بعض العمال، في رقعة رفعها إلى المنصور، فوقّع فيها: إن كنت صادقًا فجئ به ملبّبًا قد أذنَّا لك في ذلك.
وذكر عمر بن شبّة أن أبا الهذيل العلّاف حدّثه، أن أبا جعفر قال: بلغني أن السيّد بن محمَّد ماتَ بالكرْخ - أو قال: بواسط - ولم يدفنوه، ولئن حقّ ذلك عندي لأحرقنّها. وقيل: إن الصَّحيح أنَّه مات في زمان المهديّ بكَرْخ بغداد، وأنهم تحامَوْا أن يدفنوه، وأنَّه بعث بالرّبيع حتَّى ولي أمره، وأمَره إن كانوا امتنعوا أن يحرق عليهم منازِلهم، فدُفع ربيع عنهم.
وقال المدائنيّ، لما فرغ المنصور من محمَّد وإبراهيم وعبد الله بن عليّ وعبد الجبار بن عبد الرحمن، وصار ببغداد، واستقامت له الأمور، كان يتمثّل هذا البيت:
تبيت من البلوَى على حدّ مُرهَفٍ ... مرارًا ويكْفي الله ما أنت خائفُ
قال: وأنشدني عبد الله بن الرَّبيع، قال: أنشدني المنصور بعد قتل هؤلاء:
وربّ أمورٍ لا تَضِيرُكَ ضيْرَةً ... وللقلب من مَخشاتِهنّ وَجيبُ
وقال الهيثم بن عدي: لما بلغ المنصور تفرّق ولد عبد الله بن حسن في البلاد هربًا من عقابه، تمثّل:
إِنَّ قناتي لَنبْعٌ لا يُؤيّسهُا ... غَمزُ الثِّقاف ولا دُهْن ولا نارُ
متى أجِرْ خائفًا تأْمَنْ مَسَارحُه ... وإِن أُخِفْ آمِنًا تَقلَقْ به الدارُ
سيرُوا إِليَّ وغُضُّوا بعض أَعْيُنِكم ... إِنِّي لكل امرئٍ من جاره جارُ