الأسعار على حالها أمسك، وإن تغيّر شيء منها عن حاله كتب إلى الوالي والعامل هناك، وسأل عن العلّة التي نقلت ذاك عن سعره؛ فإذا ورد الجواب بالعلّة تلطف لذلك برفقه حتَّى يعود سعره ذلك إلى حاله؛ وإن شك في شيء مما قضى به القاضي كتب إليه بذلك؛ وسأل من بحضرته عن عمله؛ فإن أنكر شيئًا عمل به كتب إليه يوبِّخه ويلومه.
وذكر إسحاق الموصليّ أن الصّبّاح بن خاقان التميميّ، قال: حدّثني رجل من أهلي، عن أبيه، قال: ذُكِر الوليد عند المنصور أيَّام نزوله بغداد وفروغه من المدينة، وفراغه من محمَّد وإبراهيم ابني عبد الله، فقالوا: لعن الله الملحد الكافر - قال: وفي المجلس أبو بكر الهذلي وابن عياش المنتوف والشّرقيّ بن القطاميّ، وكل هؤلاء من الصّحابة - فقال أبو بكر الهذليّ: حدثني ابن عمٍّ للفرزدق، عن الفرزدق، قال: حضرت الوليد بن يزيد وعنده ندماؤه وقد اصطبح، فقال لابن عائشة: تغنَّ بشعر ابن الزِّبَعْرَى:
لَيْتَ أَشْيَاخي ببَدْرٍ شَهِدُوا ... جزَع الخَزْرَجِ من وقعِ الأَسَلْ
وقتلْنا الضِّعْفَ من ساداتِهِمْ ... وعَدَلنا مَيْلَ بَدْرٍ فاعْتَدلْ
فقال ابن عائشة: لا أغنّي هذا يا أمير المؤمنين؛ فقال: غَنِّه وإلا جدعتُ لهَواتِك، قال: فغنَّاه، فقال: أحسنت والله! إنَّه لعلى دينِ ابن الزّبَعْرَى يوم قال هذا الشعر. قال: فلعنه المنصور ولعنه جلساؤه؛ وقال: الحمد لله على نعمته وتوحيده.
وذكر عن أبي بكر الهذليّ، قال: كتب صاحب إرمينيَة إلى المنصور: إن الجند قد شَغَبوا عليه، وكسروا أقفال بيت المال، وأخذوا ما فيه، فوقع في كتابه: اعتزل عملنَا مذمومًا، فلو عقلت لم يشغبوا، ولو قويت لم ينتبهوا.
وقال إسحاق الموصليّ، عن أبيه: خرج بعضُ أهل العبث على أبي جعفر بِفِلسطين، فكتب إلى العامل هناك: دمه في دمك إلَّا توجّهه إليّ؛ فجدّ في طلبه، فظفر به فأشخِص، فأمر بإدخاله عليه، فلمَّا مثل بين يديه، قال له أبو جعفر: أنت المتوثِّب على عُمَّالي! لأنثرنَّ من لحمك أكثر مما يبقى منه على عظمك، فقال له - وقد كان شيخًا كبير السنّ - بصوت ضعيف ضئيل غير مستعلٍ:
أَتَرُوضُ عِرْسَكَ بَعدَ ما هَرِمتْ ... ومنَ العَناءِ رياضَةُ الهَرِمَ