ومقتَلَ أخيك. فقام عامر بن الحضرميّ فاكتشف ثم صرخ: واعمراه! واعمراه! فحميَت الحربُ، وحَقِبَ أمر الناس؛ واستوسقوا على ما هم عليه من الشرّ، وأفسِد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عُتبة بن ربيعة.
فلما بلغ عُتبةَ بن ربيعة قولُ أبي جهل:"انتفخ سَحْره"، قال: سيعلم المُصَفِّرُ اسْتَهُ من انتفخ سَحْره، أنا أم هو! ثم التمس بَيضَة يُدْخِلها في رأسه فما في الجيش بيضة تَسَعُه من عِظم هامته، فلما رأى ذلك اعتَجَر على رأسه ببُرْد له.
وقد خرج الأسود بن عبد الأسود المخزوميّ -وكان رجلًا شرسًا سيِّيءَ الخُلق- فقال: أعاهد الله لأشْرَبنّ من حَوْضِهم ولأهْدِمنّه أو لأمُوتنّ دونه. فلما خرج خرج له حمزة بن عبد المطلب، فلمّا التقيا ضربه حمزة، فأطنّ قدمه بنصف ساقه؛ وهو دُونَ الحوض، فوقع على ظهره تَشْخُبُ رجله دمًا نحو أصحابه؛ ثم حَبَا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد -زَعَمَ- أن يُبِرَّ يمينَه، واتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.
ثم خرج بعده عُتْبة بن ربيعة بين أخيه شَيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عُتْبة؛ حتى إذا فَصَل من الصفّ دعَا إلى المبارزة، فخرج إليه فتْية من الأنصار ثلاثة نفر منهم: عوف ومُعَوِّذ ابنا الحارث -وأمهما عفراء- ورجل آخر يقال له عبد الله بن رواحة، فقال: مَنْ أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار. فقالوا: ما لنا بكم حاجة! ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخْرِجْ إلينا أكفاءَنا من قومنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قم يا حمزة بن عبد المطلب، قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا عليّ بن أبي طالب؛ فلما قاموا ودَنوْا منهم، قالوا: مَنْ أنتم؟ قال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال عليّ: عليّ، قالوا: نعم أكفاءٌ كِرَام! فبارز عُبيدة بن الحارث -وكان أسنّ القوم- عُتْبة بن ربيعة، وبارز حمزةُ شَيبةَ بن ربيعة، وبارز عليٌّ الوليدَ بن عتبة؛ فأمّا حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما عليٌّ فلم يمهل الوليد أن قتله؛ واختلف عُبيدة وعتبة بينهما بضربتين، كلاهما أثبَت صاحبه، وكرَّ حمزة وعليّ بأسيافهما على عُتْبة، فذفّفا عليه فقتلاه، واحتملا صاحبهما عبيدة فجاءا به إلى أصحابه؛ وقد قطعت رجله، فمُخُّها يسيل، فلما أتوا بعبيدة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -