للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٢ - حدَّثنا ابنُ حميد، قال: حدَّثنا سلمَة، قال: قال محمّد بن إسحاق: وحدّثني إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم عن أشياخ من الأنصار، قالوا: لما اطمأنّ القومُ، بعثوا عُمَير بن وهب الجُمَحِيّ، فقالوا: احزُرْ لنا أصحابَ محمد، قال: فاستجال بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم، فقال: ثلاثمئة رجل، يزيدون قليلًا أو ينقصون؛ ولكن أمْهلوني حتى انظر؛ أللقوم كمين أم مَدَد؟ قال: فضرب في الوادي؛ حتى أبْعد فلم ير شيئًا، فرجع إليهم، فقال: ما رأيت شيئًا، ولكني قد رأيتُ -يا معشرَ قريش- الوَلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع؛ قوم ليس لهم مَنَعة ولا مَلْجأ إلّا سيوفُهم؛ والله ما أرى [أن] يقتل رجل منهم حتى يُقتل رجل منكم؛ فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خيرُ العيش بعد ذلك! فَرَوْا رَأيكم.

فلمّا سمع حَكيم بن حزام ذلك، مشى في الناس، فأتى عتبةَ بن ربيعة، فقال: يا أبا الوليد، إنك كبيرُ قريش الليلة وسيّدُها، والمطاع فيها؛ هل لك ألّا تزال تذكر منها بخير إلى آخر الدهر! قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس، وتحمل دمَ حليفك عمرو بن الحضرميّ! قال: قد فعلت، أنتَ عليّ بذلك، إنما هو حليفي فعليّ عَقْله، وما أصيب من ماله؛ فائتِ ابنَ الحنْظَلية؛ فإنّي لا أخشى أن يشجرُ أمرَ الناس غيرُه -يعني أبا جهل بن هشام- رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. ثم قام عُتْبة بن ربيعة خطيبًا، فقال: يا معشرَ قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تَلْقوا محمدًا وأصحابه شيئًا؛ والله لئن أصبتُموه لا يزال رجلٌ ينظر في وَجْهِ رجل يكره النَّظَر إليه، قتل ابن عمّه أو ابن خاله أو رجلًا من عشيرته؛ فارجعوا وخلُّوا بين محمّد وبين سائر العرب؛ فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرَّضوا منه ما تريدون. قال حكيم: فانطلقتُ أؤمُّ أبا جهل؛ فوجدته قد نَثَل دِرْعًا له من جِرابها؛ فهو يُهيّئها. فقلت: يا أبا الحكم؛ إنّ عُتْبةَ قد أرسلني إليك بكذا وكذا -للذي فاد- فقال: انتفخ والله سَحْرُه حين رأى محمدًا وأصحابه؛ كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمّد وأصحابه، وما بعتْبة ما قال؛ ولكنه قد رأى محمدًا وأصحابه أكلةَ جَزور؛ وفيهم ابنه فقد تخوّفَكم عليه. ثم بعث إلى عامر بن الحضرميّ، فقال له: هذا حَلِيفُك، يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرَك بعينيك، فقم فانشُد خُفْرتك

<<  <  ج: ص:  >  >>