على سريره في أكفانه، مكشوف الوجه؛ فحملناه حتَّى أتينا به مكّة ثلاثة أميال؛ فكأني أنظر إليه أدنو من قائمة سريره نحمله؛ فتحرّك الرِّيح، فتطيّر شعر صدغيه؛ وذلك أنَّه كان قد وفّر شعره للحلق؛ وقد نصل خِضابه؛ حتَّى أتينا به حفرته، فدلّيناه فيها.
قال: وسمعت أبي يقول: كان أوّل شيء ارتفع به عليّ بن عيسى بن ماهان؛ أنَّه لما كان الليلة التي مات فيها أبو جعفر أرادوا عيسى بن موسى على بَيْعة مجدّدة للمهديّ - وكان القائم بذلك الرَّبيع - فأبى عيسى بن موسى، فأقبل القوّاد الذين حضروا يقرّبون ويتباعدون، فنهض عليّ بن عيسى بن ماهان، فاستلّ سيفه، ثمّ جاء إليه، فقال: والله لتبايعنّ أو لأضربنّ عنقك! فلمَّا رأى ذلك عيسى، بايع وبايع النَّاس بعده.
وذكر عيسى بن محمَّد أنّ موسى بن هارون حدّثه أن موسى بن المهديّ والربيع مولى المنصور وجّها منارة مولى المنصور بخبر وفاة المنصور وبالبيْعة للمهديّ. وبعثا بعدُ بقضيب النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وبُرْدته التي يتوارثها الخلفاء مع الحسن الشرويّ، وبعث أبو العباس الطوسيّ بخاتم الخلافة مع منارة؛ ثم خرجوا من مكّة، وسار عبد الله بن المسيّب بن زهير بالحَرْبة بين يدي صالح بن المنصور، على ما كان يسير بها بين يديه في حياة المنصور، فكسرها القاسم بن نصر بن مالك؛ وهو يومئذٍ على شُرْطة موسى بن المهديّ، واندسّ عليّ بن عيسى بن ماهان لما كان في نفسه من أذى عيسى بن موسى، وما صُنع به للراونديّة، فأظهر الطعن والكلام في مسيرهم. وكان من رؤسائهم أبو خالد المرورّوذي، حتَّى كاد الأمر يعظُم ويتفاقم؛ حتَّى لبس السلاح. وتحرّك في ذلك محمَّد بن سليمان، وقام فيه وغيره من أهل بيته؛ إلّا أن محمدًا كان أحسنَهم قيامًا به حتَّى طفئ ذلك وسكن. وكتب به إلى المهديّ، فكتب بعزل عليّ بن عيسى عن حَرس موسى بن المهدي، وصيَّر مكانه أبا حنيفة حرب بن قيس، وهذا أمر العسكر، وتقدّم العباس بن محمَّد ومحمد بن سليمان إلى المهديّ، وسبق إليه العباس بن محمَّد. وقدم منارة على المهديّ يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجة، فسلّم عليه بالخلافة، وعزّاه، وأوصل الكتب إليه، وبايعه أهل مدينة السَّلام.
وذكر الهيثم بن عديّ عن الرَّبيع، أنّ المنصور رأى في حجّته التي مات فيها