بذلك؛ فكلّ زوجة عندي يوم كتبت هذا الكتاب - أو أتزوّجها إلى ثلاثين سنة - طالق ثلاثًا ألبتة طلاق الحرِج وكلُّ مملوك عندي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله، وكلّ مالٍ لي نَقْد أو عَرْض أو قرْض أو أرْض، أو قليل أو كثير، تالد أو طارف أو أستفيده فيما بعد اليوم إلى ثلاثين سنة صدقة على المساكين، يضع ذلك الوالي حيث يرى، وعليَّ من مدينة السَّلام المشيُ حافيًا إلى بيت الله العتيق الذي بمكة نذرًا واجبًا ثلاثين سنة، لا كفارة لي ولا مخرج منه؛ إلَّا الوفاء به. والله على الوفاء بذلك راعٍ كفيل شهيد، وكفى بالله شهيدًا. وشهيدٌ على عيسى بن موسى بإقراره بما في هذا الشرط أربعمائة وثلاثون من بني هاشم ومن الموالي والصحابة من قريش والوزراء والكتاب والقضاة.
وكتب في صفر سنة ستِّين ومائة. وختم عيسى بن موسى.
فقال بعض الشعراء:
كَرِهَ الموت أَبو موسى وقد ... كان في الموت نجاءٌ وكَرمْ
خَلَعَ الملكَ وأَضحَى مُلبَسًا ... ثوبَ لومٍ ما تُرى منه القَدم
* * *
وفي سنة ستِّين ومائة وافَى عبد الملك بن شهاب المسمعيّ مدينة باربد بمن توجّه معه من المطّوّعة وغيرهم، فناهضوها بعد قدومهم بيوم، وأقاموا عليها يومين، فنصبوا المنجنيق وناهضوها بجميع الآلة، وتحاشد النَّاس، وحضّ بعضُهم بعضًا بالقرآن والتذكير، ففتحها الله عليهم عَنْوة، ودخلت خيلُهم من كلّ ناحية؛ حتَّى ألجؤوهم إلى بدّهم، فأشعلوا فيها النِّيران والنِّفط، فاحترق منهم مَن احترق، وجاهد بعضهم المسلمين، فقتلهم الله أجمعين، واستشهد من المسلمين بضعة وعشرون رجلًا، وأفاءها الله عليهم. وهاج البحر فلم يقدروا على ركوبه والانصراف، فأقاموا إلى أن يطيب، فأصابهم في أفواههم داء يقال له حُمام قُرّ، فمات نحو من ألف رجل، منهم الرَّبيع بن صُبيح. ثم انصرفوا لمّا أمكنهم الانصراف حتَّى بلغوا ساحلًا من فارس، يقال له بحر حمران، فعصفت عليهم فيه الرِّيح ليلًا، فكسرت عامَّة مراكبهم، فغرق منهم بعض ونجا بعض، وقدموا معهم بسبي من سبْيِهم - فيهم بنت ملك باربد - على محمَّد بن سليمان، وهو يومئذٍ والي البصرة.