منّ عليه بتخلية سبيله، وأطلقهما. وكان معهما في المطبق إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن - وكانا لا يفارقانه - وإخوته الذين كانوا محتبسين معه، فجرت بينهم بذلك الصداقة. وكان إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن يرى أنّ الخلافة قد تجوز في صالحي بني هاشم جميعًا، فكان يقول: كانت الإمامة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تصلح إلَّا في بني هاشم؛ وهي في هذا الدهر لا تصلح إلَّا فيهم؛ وكان يكثر في قوله للأكبر من بني عبد المطلب؛ وكان هو ويعقوب بن داود يتجاريان ذلك؛ فلما خلَّى المهديّ سبيلَ يعقوب مكث المهديّ برهة من دهره يطلب عيسى بن زيد والحسن بن إبراهيم بن عبد الله بعد هرب الحسن من حبسه، فقال المهديّ يومًا: لو وجدتُ رجلًا من الزيديّة له معرفة بآل حسن وبعيسى بن زيد، وله فقه فأجتلبُه إليّ على طريق الفقه، فيدخل بيني وبين آل حسن وعيسى بن زيد! فدُلّ على يعقوب بن داود، فأتِيَ به فأدخِل عليه، وعليه يومئذٍ فَرْوٌ وخُفَّا كبْل وعمامة كَرابيس وكِساء أبيض غليظ. فكلّمه وفاتحه، فوجده رجلًا كاملًا، فسأله عن عيسى بن زيد؛ فزعم النّاس أنَّه وعده الدخول بينه وبينه، وكان يعقوب ينتفِي من ذلك؛ إلّا أنّ النَّاس قد رَموْه بأن منزلته عند المهديّ إنَّما كانت للسعاية بآل عليّ. ولم يزل أمره يرتفع عند المهديّ ويعلو حتَّى استوزره، وفوض إليه أمر الخلافة؛ فأرسل إلى الزيديّة، فأتى بهم مِنْ كلّ أوب، وولاهم من أمور الخلافة في المشرق والمغرب كل جليل وعمل نفيس، والدنيا كلها في يديه، ولذلك يقول بشار بن برد:
ضاعَتْ خلافَتُكمْ يا قَوْمِ فاطَّلِبوا ... خَليفَةَ الله بَيْنَ الدُّفِّ والعود
قال: فحسده موالي المهديّ، فسعوْا عليه (١).
ومما حظِيَ به يعقوب عند المهديّ، أنَّه استأمنه للحسن بن إبراهيم بن عبد الله، ودخل بينه وبينه حتَّى جمع بينهما بمكّة. قال: ولما علم آل الحسن بن عليّ بصنيعِه استوحشوا منه، وعلم يعقوب أنَّه إن كانت لهم دولة لم يعشْ فيها، وعلم أن المهديّ لا يناظره لكثرة السعاية به إليه، فمال يعقوب إلى إسحاق بن
(١) في إسناد هذا الخبر الطَّويل علي بن محمَّد النوفلي لم نجد له ترجمة. وفي متون بعض أخباره نكارة، وانظر تعليقنا [٨/ ١٦٢/ ١].