أدخُل على المهديّ، وأجده على كرسيّ بيده مخصرة - فقال: يا يعقوب ما حال الرجل؟ قلتُ: يا أمير المؤمنين، قد أراحك الله منه، قال: مات؟ قلت: نعم، قال: والله، ثم قال: قم فضع يدَك على رأسي؛ قال: فوضعت يدي على رأسه، وحلفتُ له به. قال: فقال: يا غلام، أخرج إلينا ما في هذا البيت، قال: ففتح بابه على العلويّ وصاحبيه والمال بعينه. قال: فبقيتُ متحيّرًا، وسُقِط في يدي، وامتنع مني الكلام، فما أدري ما أقول! قال: فقال المهديّ: لقد حلَّ لي دمك لو آثرتُ إراقته، ولكن احبسوه في المطبَق؛ ولا أذكَّر به، فحبِستُ في المطبَق، واتُّخذ لي فيه بئرٌ فدُلِّيت فيها، فكنت كذلك أطولَ مئة لا أعرف عدد الأيَّام وأصِبْتُ ببصري، وطال شعري، حتَّى استرسل كهيئة شعور البهائم. قال: فإنّي لكذلك، إذ دُعي بي فمُضِيَ بي إلى حيث لا أعلم أين هو، فلم أعْدُ أن قيل لي: سلّم على أمير المؤمنين، فسلمت، فقال: أي أمير المؤمنين أنا؟ قلت: المهدي، قال: رحم الله المهديّ، قلت: فالهادي؟ قال: رحم الله الهادي، قلت: فالرّشيد؟ قال: نعم؛ قلت: ما أشكّ في وقوف أمير المؤمنين على خبري وعلّتي وما تناهتْ إليه حالي، قال: أجل، كلُّ ذلك عندي قد عرف أمير المؤمنين، فسَلْ حاجتَك، قال: قلت: المقام بمكّة، قال: نفعل ذلك، فهل غير هذا؟ قال: قلت: ما بقي فيّ مستَمتع لشيء لا بلاغ، قال: فراشدًا. قال: فخرجتُ فكان وجهي إلى مكّة. قال ابنه: ولم يزل بمكة فلم تطُل أيامه بها حتَّى مات (١).
قال محمَّد بن عبد الله: قال لي أبي: قال يعقوب بن داود: وكان المهديّ لا يشرب النّبيذَ إلَّا تحرّجًا؛ ولكنه كان لا يشتهيه؛ وكان أصحابه: عمر بن بَزيع والمعلّى مولاه والمفضّل ومواليه يشربون عنده بحيث يراهم، قال: وكنت أعِظه في سَقْيهم النبيذ وفي السماع، وأقول: إنَّه ليس على هذا استوزرتَني ولا على
(١) علي بن يعقوب لم نجد له ترجمة فيما بين أيدينا من كتب التراجم، ولم يوثقه أحد من أهل الحديث حتَّى ابن حبان المعروف بتساهله في التوثيق لم يذكره في الثقات، وبعض كتب التأريخ الموثوقة تذكّر أن أباه يعقوب كان يضع الشعر على لسان بشار بن برد في هجاء المهدي ليوقع به عند المهدي الخليفة (انظر: تأريخ بغداد/ ١٤/ ٢٦٢/ تر ٧٥٥٩) فكيف يعتمد على من اتّهم بوضع الشعر على غيره في إثبات هذه الأخبار، ولم تتأكد من مصادر أخرى متقدمة موثوقة غير محايدة؟ ! ! .