على المهديّ فيخلو به ليلًا يحادثه ويسامره؛ فبينما هو ليلةً عنده؛ وقد ذهب من الليل أكثره، خرج يعقوب من عنده، وعليه طيلسان مصبوغ هاشميّ؛ وهو الأزرق الخفيف؛ وكان الطَيْلسان قد دق دقًّا شديدًا فهو يتقعقع، وغلام آخذ بعنان دابّة له شهباء، وقد نام الغلام، فذهب يعقوب يسوّي طيلسانَه فتقعقع، فنفر البِرْذونُ، ودنا منه يعقوب، فاستدبره فضربه ضربة على ساقه فكسرها، وسمع المهديّ الوجبَةَ، فخرج حافيًا؛ فلما رأى ما به أظهر الجزع والفَزَع، ثم أمر به فحمِل في كرسيّ إلى منزله، ثم غدًا عليه المهديّ مع الفجر؛ وبلغ ذلك النَّاس، فغدَوْا عليه، فعاده أيامًا ثلاثة متتابعة، ثم قعد عن عيادته، وأقبل يرسل إليه يسأله عن حاله، فلما فَقد وجهه، تمكن السعاة من المهديّ، فلم تأتِ عليه عاشرة حتَّى أظهر السّخط عليه، فتركه في منزله يعالج، ونادى في أصحابه: لا يوجد أحدٌ عليه طيلسان يعقوبيّ، وقلنسوة يعقوبية إلّا أخِذت ثيابُه. ثم أمر بيعقوب فحبِس في سجن نصر (١).
قال النوفليّ: وأمر المهديّ بعزْل أصحاب يعقوب عن الولايات في الشَّرق والغرب، وأمر أن يؤخذ أهلُ بيته، وأن يُحبَسوا ففعل ذلك بهم.
وقال عليّ بن محمَّد: لما حبِس يعقوب بن داود وأهل بيته، وتفرّق عمالة واختفوْا وتشرّدوا، أذكِر المهديّ قصّته وقصة إسحاق بن الفضل، فأرسل إلى إسحاق ليلًا وإلى يعقوب، فأتِيَ به من محبسه، فقال: ألم تخبرني بأنّ هذا وأهل بيته يزعمون أنّهم أحق بالخلافة منا أهلَ البيت؛ وأن لهم الكبر علينا! فقال له يعقوب: ما قلتُ لك هذا قطّ، قال: وتكذّبني وتردّ عليّ قولي! ثم دعا له بالسِّياط فضربه اثنتي عشر سوطًا ضربًا مبرّحًا، وأمر به فرُدّ إلى الحبس.
قال: وأقبل إسحاق يحلِف أنَّه لم يقُلْ هذا قطّ، وأنَّه ليس من شأنه. وقال فيما يقول: وكيف أقول هذا يا أمير المؤمنين، وقد مات جدِّي في الجاهليّة وأبوك الباقي بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووارثه! فقال: أخرجوه، فلما كان من الغد دعا بيعقوب، فعاوده الكلام الذي كلمه في ليلته، فقال: يا أمير المؤمنين،
(١) علي بن محمَّد النوفلي لم نجد له ترجمة وفي متون بعض مروياته نكارات وطامات. وانظر تعليقنا [٨/ ١٦٢/ ١]. وهل هذا الخبر المنكر يستحق أن تسوّد به صفحات التأريخ؟ .