للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تعجل عليّ حتَّى أذكِّرك، أتذكر وأنت في طارمة على النّهرِ؛ وأنت في البستان وأنا عندك؛ إذ دخل أبو الوزير - قال عليّ: وكان أبو الوزير ختنَ يعقوب بن داود على ابنة صالح بن داود - فخبّرك هذا الخبر عن إسحاق؟ قال: صدَقت يا يعقوب، قد ذكرتُ ذلك، فاستحى المهديّ، واعتذر إليه من ضربه، ثم ردّه إلى الحبس، فمكث محبوسًا أيَّام المهديّ وأيام موسى كلّها حتَّى أخرجه الرّشيد بميله كان إليه في حياة أبيه (١).

* * *


(١) سامح الله الطبري تحدث عن قضية هامة (تغير العلاقة بين المهدي ووزيره يعقوب) فجاء بأخبار واهية وأسانيد مسلسلة بمجاهيل العين والحال، ووقف بأعصاب باردة أمام متونها التي تتهم الخليفة الصالح المهدي بالمجون والشرب واللهو وكل ذلك مخالف تمامًا للروايات الصحيحة التي جاءت في ذكر خوفه من الله عزَّ وجل، وروايته للحديث، واحترامه للعلم والعلماء، وعطفه على الرعية وانشغاله بمحاربة الزنادقة والمبتدعة - وهكذا حال كل خليفة ناصب العداء لأهل البدعة - لفّقوا له مثالب ومثالب. ولو نظرنا إلى أسانيد هذه المتون لوجدناها من طريق عليّ بن محمَّد النوفلي وليس له ذكر في كتب التراجم وفي متونه نكارات وطامات كما سنذكر عند تخريجنا لأخبار سيرة المهدي ضمن أحداث سنة (١٦٩ هـ) أو من طريق علي بن يعقوب (لم نجد له ترجمة) عن أبيه الذي يتهم المهدي دون أن نعرف ردّ المهدي لهذه التهم، فالمهدي مُغيّب ويعقوب يكيل له التهم فهو الخصم والحكم، وقد دأبنا عند تخريجنا لمرويات الطبري أن نقارنها بما ذكره خليفة والبسوي، ولم نجد لذكر هذه التفاصيل أثرًا عند خليفة ولا عند البسوي، والشيء الوحيد الذي صحّ أنَّه عزله عن الوزارة أما هذه الأسباب فلم تصح، ولولا الإسناد لوجّه النَّاس كيل الاتهامات لكل من يكرهون ولقبله النَّاس لولا أن أئمة الجرح والتعديل كرّسوا حياتهم لتمييز الصادق من الكاذب والوضاع والمتروك. والحمد لله على نعمة الإسناد.
ونقد آخر يوجه لمتون هذه الأخبار المنكرة وهو أن يعقوب كان كاتبًا لخصم العباسيين فترة من الزمن (كان كاتبًا لإبراهيم بن عبد الله بن حسن) الذي خرج على بني العباس، وكان أبوه داود كاتبًا لنصر بن سيار الأموي، فكيف بمن هذه خلفيته وولاؤه يَعْدِل في وصف العباسيين ويؤخذ بشهادته في ذمّهم؟ علمًا بأنه متهم بوضع الأبيات الشعرية والقصائد على لسان بشار بن برد في هجاء المهدي وما زال يسعى عليه عند المهدي [تأريخ بغداد / ١٤/ ٢٦٢/ تر ٧٥٥٩] فكيف نقبل رواية رجلٍ اتهم بالوضع قبل أن يعزله المهدي؟ وعلى ما يبدو فإن يعقوب هذا تغيّر وسعى به الوشاة فعزله المهدي وكل ذلك ظن وتخمين. والله تعالى أعلم بالأسباب المؤدية إلى عزله.

<<  <  ج: ص:  >  >>