وقد جلس للمظالم فتقدّم إليه رجل من آل الزُّبير، فذكر ضيعة اصطفاها عن أبيه بعضُ مُلوك بني أميَّة، ولا أدري: الوليد، أم سليمان! فأمر أبا عبيد الله أن يُخرِج ذِكْرَها من الديوان العتيق، ففعل، فقرأ ذكرها على المهديّ، وكان ذلك أنَّها عُرضت على عِدّة منهم لم يروا ردّها، منهم عمر بن عبد العزيز، فقال المهديّ: يا زبيريّ، هذا عمر بن عبد العزيز، وهو منكم معشر قريش كما علمتم لم يرَ ردّها، قال: وكلّ أفعال عمر تُرضَى؟ قال: وأيّ أفعاله لا تُرضى؟ قال: منها أنَّه كان يفرِض للسّقط من بني أميَّة في خِرَقِه في الشّرف من العطاء، ويفرض للشَّيخ من بني هاشم في ستِّين. قال: يا معاوية أكذلك كان يفعل عمر؟ قال: نعم، قال: اردُدْ على الزبيريّ ضيعتَه.
وذكر عمر بن شبّة أن أبا سلمة الغِفاريّ حدّثه، قال: كتب المهديّ إلى جعفر بن سليمان وهو عامل المدينة أن يحمل إليه جماعة اتُّهِموا بالقَدَر، فحمل إليه رجالًا، منهم عبد الله بن أبي عبيدة بن محمَّد بن عمّار بن ياسر، وعبد الله بن يزيد بن قيس الهذليّ، وعيسى بن يزيد بن دأب الليثيّ، وإبراهيم بن محمَّد بن أبي بكر الأُساميّ، فأدخِلوا على المهديّ، فانبرى له عبد الله بن أبي عبيدة من بينهم، فقال: هذا دين أبيك ورأيه؟ قال: لا، ذاك عمي داود. قال: لا، إلَّا أبوك، على هذا فارَقَنَا وبه كان يدين. فأطلقهم.
وذكر عليّ بن محمَّد بن سليمان النوفليّ، قال: حدّثني أبي، عن محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن عليّ بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، قال: رأيتُ فيما يرى النائم في آخر سلطان بني أميَّة، كأني دخلت مسجدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرفعت رأسي، فنظرت في الكتاب الذي في المسجد بالفسيفساء فإذا فيه: ممّا أمر به أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، وإذا قائل يقول: يمحُو هذا الكتاب ويَكتب مكانه اسمَ رجل من بني هاشم يقال له محمَّد. قال: قلت: أنا محمَّد، وأنا من بني هاشم، فابن مَنْ؟ قال: ابن عبد الله، قلت: فأنا ابن عبد الله، فابن مَنْ؟ قال: ابن محمَّد، قلت فأنا ابن محمَّد، فابن مَنْ؟ قال: ابن عليّ، قلت: فأنا ابن عليّ، فابن مَنْ؟ قال: ابن عبد الله، قلت: فأنا ابن عبد الله؟ فابن مَن؟ قال: عباس، فلو لم أكن بلغت العبّاس ما شككت أني صاحب الأمر. قال: فتحدّثتُ بهذه الرؤيا في ذلك الدّهر ونحن لا نعرف المهديّ، فتحدّث النّاس بها