قال محمد بن صالح: وحدّثني عبد الله بن محمد الأنصاريّ أن العُمَريّ كان كَفَّل بعضهم من بعض، فكان الحسين بن عليّ بن الحسن ويحيى بن عبد الله بن الحسن كفيلين بالحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن، وكان قد تزوّج مولاةً لهم سوداء ابنة أبي لَيث مولى عبد الله بن الحسن، فكان يأتيها فيُقيم عندها، فغاب عن العرض يوم الأربعاء والخميس والجمعة، وعرضهم خليفةُ العمريّ عشيَّة الجمعة، فأخذ الحسين بن عليّ ويحيى بن عبد الله، فسألهما عن الحسن بن محمد، فغلَّظ عليهم بعضَ التغليظ، ثم انصرف إلى العمريّ فأخبره برهم، وقال له: أصلحك الله! الحسن بن محمد غائب مذ ثلاث، فقال: ائتني بالحسين ويحيى، فذهب فدعاهما، فلما دخلا عليه، قال لهما: أين الحسن بن محمد؟ قالا: والله ما ندري، إنما غاب عنا يوم الأربعاء، ثم كان يوم الخميس، فبلغنا أنه اعتل، فكنّا نظن أنّ هذا اليوم لا يكون فيه عرْض، فكلمهما بكلام أغلظ لهما فيه، فحلف يحيى بن عبد الله ألَّا ينام حتى يأتيه به أو يضرب عليه باب داره، حتى يعلم أنه قد جاءه به. فلما خرجا قال له الحسين: سبحان الله! ما دعاك إلى هذا؟ ومن أين تجد حسنًا! حلفتَ له بشيء لا تقدر عليه. قال: إنما حلفتُ على حسن، قال: سبحان الله! فعلى أيّ شيء حلفت! قال: والله لا نمتُ حتى أضرب عليه باب داره بالسيف. قال: فقال حسين: تَكسر بهذا ما كان بيننا وبين أصحابنا من الصلة، قال: قد كان الذي كان فلا بدّ منه.
وكانوا قد تواعدوا على أن يخرجوا بِمنًى أو بمكة في الموسم - فيما ذكروا - وقد كان قوم من أهل الكوفة من شيعتهم - وممن كان بايع الحسين - مُتمكِّنين في دار، فانطلقوا فعملوا في ذلك من عشيَّتهم ومن ليلتهم، حتى إذا كان في آخر الليل خرجوا. وجاء يحيى بن عبد الله حتى ضرب باب دار مَرْوان على العمريّ، فلم يجده فيها، فجاء إلى منزله في دار عبد الله بن عمر فلم يجده أيضًا فيها، وتوارى منهم، فجاءوا حتى اقتحموا المسجد حين أذّنوا بالصبح، فجلس الحسين على المنبر وعليه عمامة بيضاء، وجعل الناس يأتون المسجد، فإذا رأوهم رجعوا ولا يصلُّون، فلما صلّى الغداة جعل الناس يأتونه، ويبايعونه على كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - للمرتضى من آل محمد. وأقبل خالد البربريّ، وهو يومئذ على الصوافي بالمدينة قائد على مائتين من الجند مقيمين بالمدينة، وأقبل فيمَن