فلما مثل بين يديه، قال له: ما حَمَلك على الغناء وأنت إلى جنبي ومعي حُرَمي! أما علمت أن الرّماك إذا سمعت صوت الفحل حنَّت إليه! يا غُلام جُبَّه، فجُبَّ الرجل. فلما كان في العام المقبل رجعَ سليمان إلى ذلك المتنزه، فجلس مجلسه الذي فيه، فذكر الرجل وما صنع به، فقال لصاحب شُرطته: عليّ بالرجل الذي كُنا جبَبناه، فأحضره، فلما مَثَل بين يديه قال له: إمّا بِعْتَ فوفَّيناك، وإما وهبتَ فكافأناك، قال: فوالله ما دعاه بالخلافة، ولكنَّه قال له: يا سليمان، الله اللهَ! إنك قطعت نسلي، فذهبت بماء وجهي، وحرمتَني لذّتي، ثم تقول: إمَّا وهبتَ فكافأناك، هاما بعت فوفَّيْناك! لا والله حتى أقف بين يدي الله. قال: فقال موسى: يا غلام، ردّ صاحب الشرطة، فردّه، فقال: لا تعرض للرجل.
وذكر أبو موسى هارون بن محمد بن إسماعيل بن موسى الهادي، أنّ عليّ بن صالح حدّثه، أنه كان يومًا على رأس الهادي وهو غلام - وقد كان جفا المظالم عامَّةً ثلاثة أيام - فدخل عليه الحَرّانيّ، فقال له: يا أميرَ المؤمنين، إن العامة لا تنقاد على ما أنتَ عليه، لم تنظر في المظالم منذ ثلاثة أيام، فالتفت إليّ، وقال: يا عليّ، ائذن للناس، عليّ بالجفَلى لا بالنّقَرَى، فخرجت من عنده أطير على وجهي. ثم وقفت فلم أدر ما قال لي، فقلت: أراجع أميرَ المؤمنين، فيقول: أتحجبني ولا تعلم كلامي! ثم أدركني ذهني، فبعثت إلى أعرابي كان قد وفد، وسألته عن الجَفَلى والنَقَرى، فقال: الجَفَلى جُفالة، والنقري ينقِّر خواصّهم. فأمرت بالستور فرفِعت وبالأبواب ففتِحت، فدخل الناس على بَكْرَة أبيهم، فلم يزل ينظر في المظالم إلى الليل، فلما تقوَّض المجلس مثلت بين يديه، فقال: كأنك تريد أن تذكر شيئًا يا عليّ، قلت: نعم يا أميرَ المؤمنين، كلّمتني بكلام لم أسمعه قبل يومي هذا، وخفت مراجعتَك، فتقول: أتحجبني وأنت لم تعلم كلامي! فبعثت إلى أعرابيّ كان عندنا، ففسّر لي الكلام، فكافئه عني يا أميرَ المؤمنين، قال: نعم مائة ألف درهم تحمَل إليه، فقلت له: يا أمير المؤمنين، إنه أعرابيّ جِلْف، وفي عشرة آلاف درهم ما أغناه وكفاه، فقال: ويلك يا عليّ! أجود وتَبْخَل! .
قال: وحدّثني عليّ بن صالح، قال: ركب الهادي يومًا يَريد عيادة أمِّه الخيزُران من علَّة كانت وجدتْها، فاعترضه عمر بن بزيع، فقال له: يا أميرَ