المؤمنين، ألا أدلك على وجه هو أعوَد عليك من هذا؟ فقال: وما هو يا عمر؟ قال: المظالم لم تَنظر فيها منذ ثلاث، قال: فأومأ إلى المطرِّقة أن يميلوا إلى دار المظالم، ثم بعث إلى الخيزران بخادم من خدمه يعتذر إليها من تخلُّفه، وقال: قل لها إن عمر بن بزيع أخبرنا منْ حقّ الله بما هو أوجب علينا من حقِّك، فملنا إليه ونحن عائدون إليك في غدٍ إن شاء الله.
وذكر عن عبد الله بن مالك، أنه قال: كنتُ أتولَّى الشُّرْطة للمهديّ، وكان المهديّ يبعث إلى ندماء الهادي ومغنّيه، ويأمرني بضربهم، وكان الهادي يسألني الرّفْق بهم والترفيةَ لهم، ولا ألتفت إلى ذلك، وأمضي لما أمرني به المهديّ. قال: فلمَّا ولي الهادي الخلافة أيقنت بالتلَف، فبعث إليّ يومًا، فدخلت عليه متكفنًا متحنِّطًا، وإذا هو على كرسيّ، والسيف والنِّطَع بين يديه، فسلّمت، فقال: لا سلم الله على الآخر! تذكر يوم بعثت إليك في أمر الحَرَّانيّ، وما أمر أمير المؤمنين به من ضَرْبه وحبسه فلم تجبني، وفي فلان وفلان - وجعل يعدد ندماءه - فلم تلتفت إلى قولي، ولا أمري! قلت: نعم يا أمير المؤمنين، أفتأذن [لي] في استيفاء الحجَّة؟ قال: نعم، قلت: ناشدتك بالله يا أمير المؤمنين، أيسرّك أنك ولّيتَني ما ولّاني أبوك، فأمرتَني بأمر، فبعث إليّ بعضُ بنيك بأمر يخالف به أمرك، فاتّبعت أمرَه وعصيتُ أمرك؟ قال: لا، قلت: فكذلك أنا لك، وكذا كنت لأبيك. فاستدناني، فقبَّلت يديه، فأمر بخِلَع فصبَّت عليّ، وقال: قد ولَّيتُك ما كنتَ تتولاه، فامض راشدًا. فخرجت من عنده فصرت إلى منزلي مفكرًا في أمري وأمره، وقلت: حَدَثٌ يشرب، والقوم الذين عصيته في أمرهم ندماؤه ووزراؤه وكتَّابه، فكأني بهم حين يغلب عليهم الشراب قد أزالوا رأيَه فيّ، وحملوه من أمري على ما كنت أكره وأتخوّفه. قال: فإنّي لجالس وبين يديّ بينّةٌ لي في وقتي ذلك، والكانون بين يديّ، ورقاق أشطُره بكامخ وأسخّنه وأضعه للصِّبْية، وإذا ضجة عظيمة، حتى توهمت أن الدنيا قد اقتلعت وتزلزت بوقع الحوافر وكثرة الضوضاء، فقلت: هاه! كان والله ما ظننتُ، ووافاني من أمره ما تخوّفت، فإذا الباب قد فتح، وإذا الخدم قد دخلوا، وإذا أمير المؤمنين الهادي على حمار في وسطهم، فلمَّا رأيته وثبتُ عن مجلسي مبادرًا، فقبّلت يده ورجله وحافرَ حماره، فقال لي: يا عبد الله، إني