للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكرت في أمرك، فقلت: يسبق إلى قلبك أنِّي إذا شربت وحولي أعداؤك، أزالوا ما حسُن من رأي فيك، فأقلقَك وأوحشَك، فصرتُ إلى منزلك لأونسَك وأعلِمك أنّ السخيمة قد زالت عن قلبي لك، فهات فأطعمني مما كنتَ تأكل، وافعل فيه ما كنت تفعل، لتعلم أنِّي قد تحرّمت بطعامك، وأنست بمنزلك، فيزول خوفُك ووحشتُك. فأدنيت إليه ذلك الرّقاق والسكُرَّجة التي فيها الكامخ، فأكل منها ثم قال: هاتوا الزُّلَّة التي أزللتها لعبد الله من مجلسي. فأدخلت إليّ أربعمائة بغْل مُوقرة دراهم، وقال: هذه زُلَّتُكَ، فاستعِنْ بها على أمرك، واحفظ لي هذه البغال عندك، لعلي أحتاج إليها يومًا لبعض أسفاري، ثم قال: أظلك الله بخير، وانصرف راجعًا.

فذكر موسى بن عبد الله أن أباه أعطاه بستانه الذي كان وسط داره، ثم بنى حوله معالف لتلك البغال، وكان هو يتولَّى النظر إليها والقيام عليها أيام حياة الهادي كلها.

وذكر محمد بن عبد الله بن يعقوب بن داود بن طهمان السُّلميّ. قال: أخبرني أبي، قال: كان عليّ بن عيسى بن هامان يغضب غضب الخليفة، ويرضى رضا الخليفة، وكان أبي يقول: ما لعربيّ ولا لعجميّ عندي ما لعليّ بن عيسى، فإنه دخل إلى الحبس وفي يده سوط، فقال: أمرني أمير المؤمنين موسى الهادي أن أضربَك مائة سوط، قال: فأقبل يضعه على يدي ومنكبي، يمسني به مسًّا إلى أن عدّ مائة، وخرج. فقال له: ما صنعت بالرّجل؟ قال: صنعتُ به ما أمرتَ. قال: فما حاله؟ قال: مات، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! ويلك! فضحتَني والله عند الناس، هذا رجل صالح، يقول الناس: قتَل يعقوب بن داود! قال: فلما رأى شدّة جزعه، قال: هو حيّ يا أمير المؤمنين لم يمُتْ، قال: الحمد لله على ذلك.

قال: وكان الهادي قد استخلف على حجابته بعد الربيع ابنَه الفضل، فقال له: لا تحجب عني الناس، فإن ذلك يزيل عنِّي البركة، ولا تُلق إليّ أمرًا إذا كشفتُه أصبتُه باطلًا، فإن ذلك يوقع الملك، ويضرّ بالرّعيَّة.

وقال موسى بن عبد الله: أتِيَ موسى برجل، فجعل يقرّعه بذُنوبه ويتهدده، فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين، اعتذاري مما تُقرّعُني به ردٌّ عليك، وإقراري يوجب عليّ ذنبًا، ولكني أقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>