يديه، فأقبل يُرعَد، فعجبنا من ذلك. ثم جلس وقال للخادم: ضَعْ ما معك، فوضع الطَّبَق، وقال: ارفع المِنْديل، فرفعه فإذا في الطَّبق رأسَا جاريتين، لم أر والله أحسن من وجوههما قطّ ولا من شعورهما، وإذا على رءوسهما الجوهر منظوم على الشعر، وإذا رائحة طيِّبة تفوح، فأعظمنا ذلك، فقال: أتدرون ما شأنهما؟ قلنا: لا، قال: بلغنا أنهما تتحابّان قد اجتمعتَا على الفاحشة، فوكلتُ هذا الخادم بهما يُنهي إليّ أخبارهما، فجاءني فأخبرني أنهما قد اجتمعتَا، فجئت فوجدتهما في لحافٍ واحد على الفاحشة فقتلتهما، ثم قال: يا غلامُ، ارفع الرأسين قال: ثم رجع في حديثه كأن لم يصنع شيئًا.
وذكر أبو العباس بن أبي مالك اليماميّ أنّ عبد الله بن محمد البواب، قال: كنت أحجب الهادي خليفةً للفضل بن الربيع، قال: فِإنه ذات يوم جالسٌ وأنا في داره، وقد تغدّى ودعا بالنبيذ، وقد كان قبل ذلك دخل على أمه الخيزُران، فسألته أن يولِّيَ خاله الغِطريف اليمن، فقال: اذكرِيني به قبل أن أشرب، قال: فلما عزم على الشرب وجّهَتْ إليه منيرةَ - أو زهرةَ - تذْكِره، فقال: ارجعي فقولي: اختاري له طلَاق ابنته عُبيدة أو ولاية اليمن، فلم تفهم إلا قوله:"اختاري له" فمرّت، فقالت: قد اخترتُ له ولاية اليمن، فطلّق ابنته عُبيدة، فسمِع الصياح، فقال: ما لكم؟ فأعلمْته الخبر، فقال: أنت اخترت له، فقال: ما هكذا أدِّيَتْ إليّ الرسالة عنك. قال: فأمر صالحًا صاحب المصلى أن يقف بالسيف على رؤوس الندماء ليطلقوا نساءهم، فخرج إليّ بذلك الخدَم ليعلموني ألّا آذن لأحد. قال: وعلى الباب رجل واقف متلفع بطيلسانه، يراوح بين قدميه، فعنّ لي بيتان، فأنشدتهما وهما:
خليلَيَّ مِنْ سَعْدٍ أَلِمَّا فَسَلِّما ... على مريمٍ، لا يُبْعِدِ اللهُ مَرْيما
قال: فقال لي الرجل المتلفع بطليسانه: فنَعلما، فقلت: ما الفرق بين "يعلما" و"نعلما"؟ فقال: إن الشعر يصلحه معناه ويفسده معناه، ما حاجتنا إلى أن يحلم الناس أسرارنا! فقلت له: أنا أعلم بالشعر منك، قال: فلمن الشعر؟ قلت: للأسود بن عُمارة النوفليّ، فقال لي: فأنا هو، فدنوتُ منه فأخبرته خبرَ