للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الفرقة كلَّها حتى لا أترك منها عينًا تطرُف.

ويقال: إنه أمر أن يهيّأ له ألف جِذْع، فقال: هذا في شهر كذا، ومات بعد شهرين.

وذكر أيوب بن عنابة أن موسى بن صالح بن شيخ، حدّثه أن عيسى بن دأب كان أكثرَ أهل الحجاز أدبًا وأعذَبهم ألفاظًا، وكان قد حَظِيَ عند الهادي حُظوةً لم تكن عنده لأحد، وكان يدعو له بمتّكأ، وما كان يفعل ذلك بأحدٍ غيره في مجلسه. وكان يقول: ما استطلتُ بك يومًا ولا ليلة، ولا غبت عن عيني إلّا تمنّيتُ ألا أرى غيرَك. وكان لذيد المفاكهة طيّب المسامرة، كثير النادرة، جيد الشعر حسن الانتزاع له. قال: فأمر له ذات ليلة بثلاثين ألف دينار، فلما أصبح ابنُ دأب وجّه قَهْرمانه إلى باب موسى، وقال له: الْقَ الحاجب، وقُلْ له: يوجّه إلينا بهذا المال، فلقي الحاجب، فأبلغه رسالته، فتبسم وقال: هذا ليس إليّ، فانطلقْ إلى صاحب التوقيع ليُخرج له كتابًا إلى الديوان، فتدّبرُه هناك ثم تفعلُ فيه كذا وكذا. فرجع إلى ابن دأب فأخبره، فقال: دعْها ولا تعرض لها، ولا تسأل عنها. قال: فبينا موسى في مستشرَف له ببغداد، إذْ نظر إلى ابن دأب قد أقبل، وليس معه إلّا غلام واحد! فقال لإبراهيم الحرّاني: أما ترى ابن دأب، ما غيَّر من حاله، ولا تزين لنا، وقد بَرَرْناه بالأمس ليُرَى أثرُنا عليه! فقال له إبراهيم: فإن أمرني أميرُ المؤمنين عرضت له بشيء من هذا، قال: لا، هو أعلم بأمره، ودخل ابن دأب، فأخذ في حديثه إلى أن عرّض له موسى بشيء من أمره، فقال: أرى ثوبك غسيلًا، وهذا شتاء يُحتاج فيه إلى الجديد الليّن، فقال: يا أميرَ المؤمنين، باعي قصير عمّا أحتاج إليه، قال: وكيف وقد صرفنا إليك من برّنا ما ظننا أن فيه صلاح شأنك! قال: ما وصل إليّ ولا قبضتُه، فدعا صاحب بيت مال الخاصة، فقال: عجِّل له الساعة ثلاثين ألف دينار، فأحضِرتْ وحُمِلت بين يديْه.

وذكر عليّ بن محمد، أنّ أباه حدّثه عن عليّ بن يقطين، قال: إني لعند موسى ليلة مع جماعة من أصحابه، إذ أتاه خادم فسارَّه بشيء، فنهض سريعًا، وقال: لا تبرحُوا، ومضى فأبطأ، ثم جاء وهو يتنفَّس، فألقى بنفسه على فِراشه يتنقس ساعة حتى استراح، ومعه خادم يحمل طبقًا مغطًّى بمتديل، فقام بين

<<  <  ج: ص:  >  >>