المؤمنين، ما بقي منِّي جزء كان فيه حزن إلَّا وقد امتلأ عزاء. قال: فلما مات إبراهيم صارت المرتبة لسعيد بن سلْم بعده.
وذكر عمر بن شبّة أن عليّ بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب كان يلقب بالجزريّ، تزوج رُقيّة بنت عمرو العثمانية - وكانت تحت المهديّ - فبلغ ذلك موسى الهادي في أوّل خلافته، فأرسل إليه فجهَّله وقال: أعياك النساء إلا امرأة أمير المؤمنين، فقال: ما حرّم الله على خلقه إلّا نساء جدّي - صلى الله عليه وسلم -، فأما غيرُهنّ فلا ولا كرامة. فشجّه بمخْصَرة كانت في يده، وأمر بضربه خمسمائة سوط، فضُرب، وأراده أن يطلّقَها فلم يفعل، فحمِل من بين يديه في نِطَع فألقِيَ ناحية، وكان في يده خاتم سريّ فرآه بعضُ الخدم وقد غشي عليه من الضرب فأهوى إلى الخاتم فقبض على يد الخادم فدفها، فصاح. وأتى موسى فأراه يدَه، فاستشاط وقال: يُفعل هذا بخادمي، مع استخفافه بأبي، وقوله لي! وبعث إليه: ما حملك على ما فعلت؟ قال: قلْ له وسَلْه، ومُرْه أن يضع يده على رأسك وليصدُقك. ففعل ذلك موسى، فصدقه الخادمُ، فقال: أحسن والله، أنا أشهدُ أنه ابنُ عمّي، لو لم يفعل لانتفيتُ منه، وأمر بإطلاقه.
وذكر أبو إبراهيم المؤذّن، أنّ الهاديَ كان يثب على الدابَّة وعليه درعان، وكان المهديّ يسمّيه رَيْحانتي.
وذكر محمد بن عطاء بن مقدَّمٍ الواسطيّ، أن أباه حدّثه أنّ المهديّ قال لموسى يومًا - وقد قُدِّم إليه زنديق، فاستتابه، فأبى أن يتوب، فضرب عُنُقه وأمر بصلْبه: يا بنيَّ، إن صار لك هذا الأمر فتجرّد لهذه العصابة - يعني أصحاب ماني - فإنها فرقة تدعو الناس إلى ظاهرٍ حسن، كاجتناب الفواحش والزّهد في الدنيا والعمل للآخرة. ثم تخرجها إلى تحريم اللحم ومسّ الماء الطَّهور وترك قتل الهوامّ تحرّجًا وتحوُّبًا، ثم تخرجها من هذه إلى عبادة اثنين: أحدهما النور والآخر الظلمة، ثم تُبيح بعد هذا نكاح الأخوات والبنات والاغتسال بالبوْل وسرقة الأطفال من الطرُق، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هداية النُّور، فارْفع فيها الخشب، وجَرِّد فيها السيف، وتقرّب بأمرها إلى الله لا شريك له، فإني رأيتُ جدَّك العباس في المنام قلَّدنِي بسيفين، وأمرني بقتل أصحاب الاثنين. قال: فقال موسى بعد أن مضت من أيامه عشرة أشهر: أما والله لئن عشتُ لأقتلنّ