أوْلى بها وأهلها، فأعزّكم الله وكان قويًّا عزيزًا، فكنتم أنصارَ دين الله المرتضى والذابِّين بسيفه المنتضَى، عن أهل بيت نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -. وبكم استنقذهم من أيدي الظَّلمة، أئمة الجوْر، والناقضين عهد الله، والسافكين الدّمَ الحرام، والآكلين الفيء، والمستأثرين به، فاذكروا ما أعطاكم الله من هذه النِّعمة، واحذروا أن تغيّروا فيغيِّر بكم. وإن الله جل وعزّ استأثر بخليفته موسى الهادي الإمام، فقبضه إليه، وولّى بعده رَشيدًا مَرضيًّا أمير المؤمنين رؤوفًا بكم رحيمًا، من محسنكم قبولًا، وعلى مسيئكم بالعفو عطوفًا، وهو - أمتَعه الله بالنعمة وحفظ له ما استرعاه إياه من أمر الأمة، وتولّاه بما تولى به أولياءه وأهلَ طاعته - يعِدُكم من نفسه الرّأفة بكم، والرحمة لكم، وقسْم أعطياتكم فيكم عند استحقاقكم، ويبذل لكم من الجائزة مما أفاء الله على الخلفاء مما في بيوت الأموال ما ينوب عن رزق كذا وكذا شهرًا، غير مقاصّ لكم بذلك فيما تستقبلون من أعطياتكم، وحاملٌ باقي ذلك، للدّفْع عن حريمكم، وما لعلّه أن يحدث في النواحي والأقطار من العُصاة المارقين إلى بيوت الأموال، حتى تعودَ الأموال إلى جِمامها وكثرتها، والحال التي كانت عليها، فاحمدوا الله وجدِّدوا شكرًا يوجب لكم المزيد من إحسانه إليكم، بما جدّد لكم من رأي أمير المؤمنين، وتفضّل به عليكم، أيّده الله بطاعته. وارغبوا إلى الله له في البقاء، ولكم به في إدامة النعماء، لعلكم ترحمون. وأعطُوا صَفْقة أيمانكم، وقوموا إلى بَيْعتكم، حاطكم الله وحاط عليكم، وأصلح بكم وعلى أيديكم، وتولّاكم ولاية عباده الصالحين.
وذكر يحيى بن الحسن بن عبد الخالق، قال: حدثني محمد بن هشام المخزوميّ، قال: جاء يحيى بن خالد إلى الرّشيد وهو نائم في لِحاف بلا إزار، لمّا تُوفِّيَ موسى، فقال: قمْ يا أمير المؤمنين، فقال له الرّشيد: كم تروِّعني إعجابًا منك بخلافتي! وأنت تعلم حالي عند هذا الرجل، فإنْ بلغه هذا، فما تكون حالي! فقال له: هذا الحرّانيّ وزير موسى وهذا خاتمه. قال: فقعد في فراشه، فقال: أشرْ عليّ، قال: فبينما هو يكلَمه إذ طلع رسول آخر، فقال: قد وُلد لك غلام، فقال: قد سمَّيْتُه عبد الله، ثم قال ليحيى: أشر عليّ، فقال: أشير عليك أن تقعد لحالك على إرمينيَة، قال: قد فعلت، ولا والله لا صليت بعيساباذ إلّا عليها، ولا صليت الظهر إلا ببغداد، وإلا ورأس أبي عصمة بين