يديّ. قال: ثم لبس ثيابه، وخرج فصلّى عليه، وقدَّم أبا عصمة، فضرب عنقه، وشَدّ جُمَّته في رأس قناة، ودخل بها بغداد، وذلك أنه كان مضى هو وجعفر بن موسى الهادي راكبين. فبلغا إلى قنطرة من قناطر عيساباذ، فالتفت أبو عصمة إلى هارون، فقال له: مكانك حتى يجوز وليّ العهد، فقال هارون: السمع والطاعة للأمير، فوقف حتى جاز جعفر، فكان هذا سبب قتل أبي عصمة.
قال: ولما صار الرشيد إلى كرسيّ الجسر دعا بالغوّاصين، فقال: كان المهديّ وهَب لي خاتمًا شراؤه مائة ألف دينار يسمّى الجبَل، فدخلتُ على أخي وهو في يدي، فلما انصرفتُ لحقني سليم الأسود على الكرسيّ. فقال: يأمرُك أمير المؤمنين أن تعطيني الخاتم، فرميت به في هذا الموضع، فغاصوا، فأخرجوه، فسُرّ به غاية السرور.
قال محمد بن إسحاق الهاشميّ: حذثني غير واحد من أصحابنا، منهم صبّاح بن خاقان التميميّ، أن موسى الهادي كان خلع الرشيد وبايع لابنه جعفر، وكان عبدُ الله بن مالك على الشُّرَط، فلما تُوُفِّيَ الهادي هجم خزيمة بن خازم في تلك الليلة، فأخذ جعفرًا من فراشه، وكان خزيمة في خمسة آلاف من مواليهم معهم السلاح، فقال: والله لأضربنَّ عنقك أو تخلَعها، فلما كان من الغدِ، ركب الناس إلى باب جعفر، فأتى به خزيمة، فأقامه على باب الدار في العُلوّ، والأبواب مغلقة، فأقبل جعفر ينادي: يا معشرَ المسلمين، منْ كانت لي في عنقه بيعة فقد أحللتُه منها، والخلافة لعمِّي هارون، ولا حقّ لي فيها.
وكان سببُ مشي عبد الله بن ملك الخُزاعيّ إلى مكّة على اللّبود، لأنه كان شاور الفقهاء في أيْمانه التي حلَف بها لبيعة جعفر، فقالوا له: كل يمين لك تخرج منها إلا المشي إلى بيت الله، ليس فيه حيلة. فحجّ ماشيًا. وحظيَ خزيمة بذلك عند الرّشيد.
وذُكر أن الرشيد كان ساخطًا على إبراهيم الحرانيّ وسلّام الأبرش يوم مات موسى، فأمر بحبسهما وقبْض أموالهما، فحبِس إبراهيم عند يحمص بن خالد في دارِه، فكلّم فيه محمدُ بن سليمان هارونَ، وسأله الرضا عنه وتخليةَ سبيله، والإذن له في الانحدار معه إلى البصرة، فأجابه إلى ذلك.