أحبُّ إليَّ مِنْ دور ... أَشَبَّ إِذا همُ ثَلَجُوا
قال: فأقام الفضل بهذا الموضع، وواترَ كتبه على يحيى، وكاتب صاحب الدّيْلم، وجعل له ألف ألف درهم، على أن يسهّل له خروج يحيى إلى ما قبله، وحملت إليه، فأجاب يحيى إلى الصلح والخروج على يديه، على أن يكتب له الرشيد أمانًا بخطِّه على نسخة يبعث بها إليه. فكتب الفضل بذلك إلى الرشيد، فسَرّه وعظُم موقعه عنده، وكتب أمانًا ليحيى بن عبد الله، وأشهد عليه الفقهاء والقضاة وجِلّة بني هاشم ومشايخهم، منهم عبد الصمد بن عليّ والعباس بن محمد ومحمد بن إبراهيم وموسى بن عيسى ومَنْ أشبههم، ووجَّه به مع جوائز وكَرامات وهدايا، فوجّه الفضل بذلك إليه، فقدم يحيى بن عبد الله عليه، وورد به الفضل بغداد، فلقيه الرّشيد بكلّ ما أحبّ، وأمر له بمال كثير، وأجرى له أرزاقًا سنتة، وأنزله منزلًا سريًّا بعد أن أقام في منزل يحيى بن خالد أيامًا، وكان يتولَّى أمرَه بنفسه، ولا يَكِلُ ذلك إلى غيره، وأمر الناس بإتيانه بعد انتقاله من منزل يحيى والتسليم عليه، وبلغ الرشيد الغايَة في إكرام الفضل، ففي ذلك يقول مَرْوان بن أبي حفصة:
ظَفِرتَ فلا شَلَّتْ يدٌ بَرْمَكيَّةٌ ... رَتَقْتَ بها الفَتْقَ الذي بين هاشِم
على حين أَعْيَا الراتقينَ التِئامُهُ ... فكَفُّوا وقَالُوا لَيَس بالمتلائم
فأَصْبَحْتَ قَد فازَتْ يداك بخُطَّةٍ ... من المجدِ باقٍ ذكرها في الْمَوَاسِم
وما زالَ قِدْحُ المُلك يَخْرُجُ فائزًا ... لكمْ كلَّما ضُمَّتْ قِداحُ المُساهِمِ
قال: وأنشدني أبو ثُمامة الخطيب لنفسه فيه:
للفضل يومُ الطَّالَقَانِ وقبلهُ ... يومٌ أَناخَ بهِ على خاقانِ
ما مثلُ يَوْمَيْهِ اللَّذيْن تَواليَا ... في غَزْوَتَيْن تَوَالتَا يَوْمَان
سَدَّ الثغُور وَردَّ أُلفَةَ هاشِمٍ ... بعدَ الشَّتاتِ، فَشَعْبُها مُتَدَان
عصمَتْ حكومَتُهُ جَمَاعَةَ هاشِمٍ ... مِنْ أَنْ يُجَرَّد بينها سَيْفَان
تِلْكَ الْحكومةُ لَا التي عن لَبْسها ... عَظُمَ النَّبَا وتفرّقَ الحكَمانِ
فأعطاه الفضل مائة ألف درهم، وخلع عليه، وتغنّى إبراهيم به.
وذكر أحمد بن محمد بن جعفر، عن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن، قال: لما قدِم يحيى بن عبد الله من الدّيْلم أتيتُه، وهو في دار