للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليّ بن أبي طالب، فقلت: يا عمّ، ما بعدك مُخْبِر ولا بعدي مخْبَر، فأخبِرْني خبرَك، فقال: يا بن أخي، والله إن كنت إلَا كما قال حُيَيّ بن أخطب:

لعمْركَ ما لام ابنُ أَخطَب نفسَهُ ... ولكنّهُ من يَخذُلِ اللهُ يُخذَل

لجَاهَدَ حتى أَبلغَ النفس حَمْدَها ... وقلقلَ يَبغي العِزَّ كلَّ مقلقَل

وذكر الضّبيّ أن شيخًا من النوفليّين، قال: دخلنا على عيسى بن جعفر، وقد وُضِعت له وسائد بعضها فوق بعض، وهو قائم متّكئ عليها، وإذا هو يضحك من شيء في نفسه، متعجِّبًا منه، فقلنا: ما الذي يُضحك الأمير أدام الله سروره! قال: لقد دخلني اليوم سرورٌ ما دخلني مثله قطّ، فقلنا: تمم الله للأمير سروره، وزاده سرورًا. فقال: والله لا أحدّثكم به إلا قائمًا - واتكأ على الفرش وهو قائم - فقال: كنت اليومَ عند أمير المؤمنين الرّشيد، فدعا بيحيى بن عبد الله، فأخْرِج من السجن مكبَّلًا في الحديد، وعنده بكَّار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير - وكان بكّار شديدَ البغض لآل أبي طالب، وكان يبلغ هارون عنهم، ويسيء بأخبارهم، وكان الرّشيد ولاه المدينة، وأمره بالتضييق عليهم - قال: فلما دُعِيَ بيحيى قال له الرّشيد: هيهْ هيهْ! متضاحكًا، وهذا يزعم أيضًا أنا سممناه! فقال يحيى: ما معنى يزعم؟ ها هُو ذا لساني - قال: وأخرج لسانه أخضرَ مثل السِّلق - قال: فتربّد هارون! واشتدّ غضبُه، فقال يحيى: يا أميرَ المؤمنين، إن لنا قرابة ورحِمًا، ولسنا بتُرْكٍ ولا ديْلم، يا أمير المؤمنين، إنا وأنتم أهلُ بيت واحد، فأذكِّرك اللهَ وقرابتَنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! علام تَحْبِسني وتعذّبني؟ قال: فرقّ له هارون، وأقبل الزُّبيري على الرّشيد، فقال: يا أمير المؤمنين، لا يغرّك كلام هذا، فإنه شاقٌّ عاصٍ، وإنما هذا منه مكر وخُبث، إنّ هذا أفسد علينا مدينتنا، وأظهر فيها العصيان. قال: فأقبل يحيى عليه، فوالله ما استأذن أمير المؤمنين في الكلام حتى قال: أفسِد عليكم مدينتَكم! ومَنْ أَنتم عافاكم الله! قال الزّبيريّ: هذا كلامه قدّامك، فكيف إذا غاب عنك! يقول: ومَنْ أنتم! استخفافًا بنا. قال: فأقبل عليه يحيى، فقال: نعم، ومَنْ أنتم عافاكم الله! المدينة كانت مهاجرَ عبد الله بن الزّبير أمْ مهاجَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ومَنْ أنت حتى تقول: أفسد علينا مدينتنا! وإنما بآبائي وآباء هذا هاجر أبوك إلى المدينة. ثم قال: يا أميرَ المؤمنين، إنما الناس نحن وأنتم، فإن خرجنا عليكم قلنا: أكلتم وأجعتمونا،

<<  <  ج: ص:  >  >>