ولبستم وأعريتمونا، وركبتم وأرجلتمونا، فوجدنا بذلك مقالًا فيكم، ووجدتم بخروجنا عليكم مقالًا فينا، فتكافأ فيه القول، ويعود أمير المؤمنين على أهله بالفَضْل. يا أمير المؤمنين، فلمَ يجترئ هذا وضرباؤه على أهل بيتك، يسعى بهم عندك! إنه والله ما يَسعى بنا إليك نصيحةً منه لك، وإنه يأتينا فيسعى بك عندنا عن غير نصيحة منه لنا، إنما يريد أن يباعِد بيننا، ويشتفي من بعض ببعض. والله يا أميرَ المؤمنين، لقد جاء إليّ هذا حيث قُتِل أخي محمد بن عبد الله، فقال: لعن الله قاتله! وأنشدني فيه مرثيةً قالها نحوًا من عشرين بيتًا، وقال: إن تحرَّكتَ في هذا الأمر فأنا أوّل مَنْ يبايعك، وما يمنعك أن تلحق بالبصرة، فأيدينا مع يدك!
قال: فتغيّر وجه الزّبيريّ واسودّ، فأقبل عليه هارون، فقال: أيّ شيء يقول هذا؟ قال: كاذب يا أميرَ المؤمنين، ما كان ممّا قال حرف. قال: فأقبل على يحيى بن عبد الله، فقال: تروِي القصيدةَ التي رثاه بها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أصلحك الله! قال: فأنشدها إياه، فقال الزّبيريّ: والله يا أميرَ المؤمنين الذي لا إله إلا هو - حتى أتى على آخر اليمين الغَمْوس - ما كان مما قال شيء، ولقد تقوّل عليّ ما لم أقل. قال: فأقبل الرّشيد على يحيى بن عبد الله، فقال: قد حلَف، فهل من بيّنة سمعوا هذه المرثية منه؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، ولكن أستحلفه بما أريد، قال: فاستحلفْه، قال: فأقبل على الزبيريّ، فقال: قل: أنا بريء من حوْل الله وقوّته موكّل إلى حولي وقوّتي، إن كنت قلتُه. فقال الزبيريّ: يا أميرَ المؤمنين، أيّ شيء هذا من الحلف! أحلف له بالله الذي لا إله إلا هو، ويستحلفني بشيء لا أدري ما هو! قال يحيى بن عبد الله: يا أميرَ المؤمنين، إن كان صادقًا فما عليه أن يحلف بما أستحلفه به! فقال له هارون: احلِفْ له ويلك! قال: فقال: أنا بريء من حول الله وقوّته موكّل إلى حولي وقوّتي، قال: فاضطرب منها وأرعِد، فقال يا أميرَ المؤمنين، ما أدري أيّ شيء هذه اليمين التي يستحلفني بها، وقد حلفت له بالعظيم أعظم الأشياء! قال: فقال هارون له: لتحلفنّ له أو لأصدّقنّ عليك ولأعاقبنَّك، قال: فقال: أنا بريء من حول الله وقوته، موكّل إلى حولي وقوّتي إن كنت قلته. قال: فخرج من عند هارون فضربه الله بالفالج، فمات من ساعته.