للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسماه المؤتمن، وولّاه الجزيرة والثغور والعواصم، فقال في ذلك:

حُبّ الخليفةِ حُبٌّ لا يَدينُ بِهِ ... مَنْ كان لله عاصٍ يَعْمَلُ الفِتَنا

اللهُ قَلَّدَ هارونًا سِياسَتَنا ... لَمَّا اصطفاهُ فأَحْيَا الدِّينَ والسنَنَا

وَقلَّدَ الأَرضَ هارونٌ لرأفَتِهِ ... بنَا أَمينًا ومأمُونًا ومؤتمَنا

قال: ولما قسم الأرض بين أولاده الثلاثة، قال بعض العامة: قد أحكم أمر الملك، وقال بعضهم: بل ألقى بأسَهُم بينهم، وعاقبةُ ما صنع في ذلك مخوفةٌ على الرّعية، وقالت الشعراء في ذلك، فقال بعضهم:

أَقولُ لغمَّةٍ في النفسِ مني ... وَدَمْعُ العَينِ يَطَّردُ اطِّرادَا

خُذِي لِلْهوْلِ عُدّتَهُ بحزْمٍ ... سنَلْقَى ما سَيَمْنَعُكِ الرُّقَادا

فإِنَّكِ إِنْ بَقيتِ رأَيتِ أَمرًا ... يُطِيلُ لكِ الكآبةَ والسهادا

رَأى الملكُ المَهذَّبُ شَرَّ رأيٍ ... بقِسْمَتِهِ الخلافة والبِلادا

رأَى ما لوْ تعَقَّبَهُ بعِلمٍ ... لبَيَّضِ من مَفارقِهِ السَّوادا

أَرادَ به ليَقطَعَ عن بَنيه ... خلافهُمُ ويَبتذِلوا الودادا

فقد غَرَسَ العداوةَ غيرَ آلٍ ... وأَورثَ شَمل أُلفَتِهمْ بَدادا

وَأَلقَحَ بَيْنَهُمْ حرْبًا عَوانًا ... وَسلَّس لاجتنابِهمُ القيادا

فوَيلٌ لِلرَّعيّةِ عن قليل ... لقد أَهدى لها الكُرَبَ الشّدادا

وأَلبَسَهَا بلاءً غير فانٍ ... وأَلزمها التَّضَعْضُعَ والفسادا

سَتجْري من دِمائُهم بحُورٌ ... زواخِرُ لا يَروْنَ لها نفادَا

فوِزْرُ بلائِهمْ أَبدًا عليه ... أَغيّا كانَ ذلك أَمْ رشادا

وكانت الشهادة بالبَيْعة والكتاب في البيت الحرام، وتقدّم إلى الحَجبَة في حفظهما، ومنع من أراد إخراجهما والذهاب بهما، فذكر عبدُ الله بن محمد ومحمد بن يزيد التميميّ وإبراهيم الحجبيّ، أنّ الرشيد حضر وأحضر وجوه بني هاشم والقُوّاد والفقهاء، وأدخلوا البيت الحرام، وأمر بقراءة الكتاب على عبد الله ومحمد، وأشهد عليهما جماعة مَنْ حضر، ثم رأى أن يعلِّق الكتاب في الكعبة، فلما رُفع ليُعلّق وقع، فقيل إنّ هذا الأمر سريع انتقاضه قبل تمامه. وكانت نسخة الكتاب:

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين، كتبه

<<  <  ج: ص:  >  >>