للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعزم الله لأمير المؤمنين على الشخوص بهما إلى بيت الله، وأخذ البيعة منهما لأمير المؤمنين بالسمع والطاعة والإنفاذ لأمره، واكتتاب الشّرْط على كلّ واحد منهما لأمير المؤمنين ولهما بأشدّ المواثيق والعهود، وأغلظ الأيمان والتّوكيد، والأخذ لكلّ واحد منهما على صاحبه بما التمس به أمير المؤمنين اجتماعَ ألفتهما ومودّتهما وتواصلهما وموازرتهما ومكانفتهما على حسنِ النظر لأنفسهما ولرعيّة أمير المؤمنين التي استرعاهما، والجماعة لدين الله عزَّ وجلَّ وكتابه وسنن نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، والجهاد لعدوّ المسلمين؛ من كانوا وحيث كانوا، وقطْع طمع كل عدوٍّ مظهر للعداوة، ومسرّ لها، وكلّ منافق ومارق، وأهل الأهواء الضالّة المضلّة من تكيد بكيْد تُوقعه بينهما، وبدَحْس يُدحس به لهما، وما يلتمس أعداء الله وأعداء النعم وأعداء دينه من الضرب بين الأمة، والسّعي بالفساد في الأرض، والدعاء إلى البدَع والضّلالة؛ نظرًا من أمير المؤمنين لدينه ورعيته وأمّة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ومناصحةً لله ولجميع المسلمين، وذبًّا عن سلطان الله الذي قدّره، وتوحّد فيه للذي حمّله إياه، والاجتهاد في كلِّ ما فيه قُرْبة إلى الله، وما ينال به رضوانَه، والوسيلة عنده.

فلما قدِم مكّة أظهر لمحمد وعبد الله رأيَه في ذلك، وما نظر فيه لهما، فقبلا كلَّ ما دعاهما إليه من التوكيد على أنفسهما بقبوله، وكتَبا لأمير المؤمنين في بَطْن بيت الله الحرام بخطوط أيديهما، بمحْضَر ممَّن شهد الموسم من أهل بيت أمير المؤمنين وقوّاده وصحابته وقضاته وحَجَبَة الكعبة وشهاداتهم عليهما كتابين استودعهما أمير المؤمنين الحَجَبة، وأمر بتعليقهما في داخل الكعبة.

فلما فرغ أمير المؤمنين من ذلك كلّه في داخل بيت الله الحرام وبطْن الكعبة، أمر قضاته الذين شهدوا عليهما، وحضروا كتابهما، أن يعلموا جميع مَنْ حضر الموسم من الحاجّ والعُمّار ووفود الأمصار ما شهدوا عليه من شرْطهما وكتابهما، وقراءة ذلك عليهم ليفهموه ويعُوه، ويعرفوه ويحفظوه، ويؤدُّوه إلى إخوانهم وأهل بلدانهم وأمصارهم، ففعلوا ذلك، وقرِئ عليهم الشّرْطان جميعًا في المسجد الحرام، فانصرفوا. وقد اشتهر ذلك عندهم، وأثبتوا الشهادة عليه، وعرفوا نظر أمير المؤمنين وعنايته بصلاحهم وحقن دمائهم، ولمِّ شعثِهم وإطفاء جَمْرة أعداء الله؛ أعداء دينه وكتابه وجماعة المسلمين عنهم، وأظهروا الدعاء

<<  <  ج: ص:  >  >>