ولمَّا قتل ابنه عيسى خرج عليّ عن بلّخ حتى أتى مَرْو مخافةَ أن يسير إليها رافع بن الليث، فيستولي عليها. وكان ابنه عيسى دفن في بستان داره ببلخ أموالًا عظيمة - قيل إنها كانت ثلاثين ألف ألف - ولم يعلم بها عليّ بن عيسى ولا اطلع على ذلك إلا جارية كانت له، فلما شخص عليّ عن بلخ أطلعت الجارية على ذلك بعضَ الخدم، وتحدّث به الناس، فاجتمع قُرّاء أهل بلْخ ووجوهها، فدخلوا البستان فانتهبوه وأباحوه للعامة، فبلغ الرّشيد الخبر، فقال: خرج عليّ من بلْخ عن غير أمرِي، وخلَّف مثل هذا المال؛ وهو يزعم أنه قد أفْضَى إلى حَلْي نسائه فيما أنفق على محاربة رافع! فعزله عند ذلك، وولّى هرثمة بن أعيَن، واسَتصفى أموال عليّ بن عيسى، فبلغت أمواله ثمانين ألف ألف.
وذكر عن بعض الموالي أنه قال: كنا بجُرْجان مع الرشيد وهو يريد خُراسان، فوردت خزائن عليّ بن عيسى التي أخذت له على ألف وخمسمائة بعير، وكان عليّ مع ذلك قد أذلّ الأعالي من أهل خُراسان وأشرافهم.
وذكر أنه دخل عليه يومًا هشام بن فرخسرو والحسين بن مصعب، فسلَّما عليه، فقال للحسين: لا سلَّم الله عليك يا ملحد يا بن الملحد! والله إنيّ لأعرف ما أنتَ عليهْ من عداوتك للإسلام وطعنك في الدين، وما أنتظر بقتلك إلا إذن الخليفة فيه، فقد أباح الله دمَك، وأرجو أن يسفكه الله على يدي عن قريب، ويعجلك إلى عذابه. ألستَ المرجف بي في منزلي هذا بعد ما ثملتَ من الخمر، وزعمت أنه جاءتك كتب من مدينة السلام بعزلي! اخرج إلى سخط الله، لعنك الله، فعن قريب ما تكون من أهلها! فقال له الحسين: أعيذ بالله الأميرَ أن يقبل قول واشٍ، أو سعاية باغٍ، فإني بريء مما قُرفت به. قال: كذبت لا أمّ لك! قد صحّ عندي أنك ثملت من الخمر، وقلت ما وجب عليكَ به أغلظ الأدب؛ ولعلّ الله أن يعاجلَك ببأسه ونقمته؛ اخرج عني غير مستور ولا مصاحَب. فجاء الحاجب فأخذ بيده فأخرجه، وقال لهشام بن فرخسرو: صارت دارك دار الندوة؛ يجتمع فيه إليك السفهاء، وتطعن على الولاة! سفك الله دمي إن لم أسفك دمك! فقال هشام: جُعلت فداء الأمير! أنا والله مظلوم مرحوم؛ والله ما أدَعُ في تقريظ الأمير جهدًا، وفي وصفه قولًا إلّا خصصتُه به وقلته فيه؛ فإن كنت إذا قلت خيرًا نقل إليك شرًّا فما حيلتي! قال: كذبت لا أمّ لك؛ لأَنا أعلم بما تنطوي