عليه جوانحك من ولدك وأهلك، فاخرج فعن قريب أريح منك نفسي. فخرج. فلمَّا كان في آخر الليل دعا ابنتَه عالية - وكانت من أكبر ولده - فقال لها: أيْ بنيَّة، إني أريد أن أفضيَ إليك بأمر إن أنت أظهرته قُتلتُ؛ وإنْ حفظته سلمتُ، فاختاري بقاء أبيك على موته، قالت: وما ذاك جُعلت فداك! قال: إني - أخاف هذا الفاجر عليّ بن عيسى على دمي، وقد عزمت على أن أظهر أنّ الفالج أصابني، فإذا كان في السّحَر فاجمعي جواريك، وتعالي إلى فراشي وحرّكيني؛ فإذا رأيت حركتي قد ثقلت، فصيحي أنت وجواريك، وابعثي إلى إخوتك فأعلميهم علّتي. وإياك ثم إياك أن تطلعي (١) على صحة بدني أحدًا من خلْق الله من قريب أو بعيد. ففعلتْ - وكانت عاقلة حازمة - فأقام مطروحًا على فراشه حينًا لا يتحرّك إلا إن حُرّك، فيقال إنه لم يعلم من أهل خُراسان أحدٌ من عزل عليّ بن عيسى بخبر ولا أثر غيرُ هشام؛ فإنه توهم عزله، فصحّ توهمه.
ويقال: إنه خرج في اليوم الذي قدم فيه هَرْثمة لتلقِّيه. فرآه في الطريق رجل من قوّاد عليّ بن عيسى، فقال: صحّ الجسم؟ فقال: ما زال صحيحًا بحمد الله! وقال بعضهم: بل رآه عليّ بن عيسى، فقال: أين بك؟ فقال: أتلقَّى أميرنا أبا حاتم، قال: ألم تكن عليلًا؟ قال: بلى؛ فوهب الله العافية، وعزل الله الطاغية في ليلة واحدة.
وأما الحسين بن مصعب فإنه خرج إلى مكّة مستجيرًا بالرّشيد من عليّ بن عيسى، فأجاره.
ولما عزم الرشيد على عزل عليّ بن عيسى دعا - فيما بلغني - هرثمة بن أعين مستخليًا به فقال: إني لم أشاور فيك أحدًا، ولم أطلعه على سرّي فيك، وقد اضطرب عليّ ثغور المشرق، وأنكر أهل خراسان أمْرَ عليّ بن عيسى؛ إذ خالف عهدي ونبذه وراء ظهره؛ وقد كتب يستمدّ ويستجيش، وأنا كاتب إليه، فأخبره أني أمدّه بك، وأوجّه إليه معك من الأموال والسلاح والقوّة والعدّة ما يطمئن إليه
(١) لم يكن من أدب الرشيد أن يقذف المسلمات بكل بساطة ويكتب في رسائله هذه الكلمات النابية - وكيف نعتمد على وجود حوار سرّي بن الخليفة وهرثمة ثم رسالة أرسلها لم يعلم به إلا الله سبحانه والحفظة من ملائكته - وكل ذلك وصل إلى الطبري من طريق (فيما بلغني)؟ ! ! .