للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد الكفاية إلى ما يفضل من ردّه، وقد ضمّ لك إلى الطرْف كورًا من أمّهات كوَر الأموال لا حاجة لك فيها، فالحقّ فيها أن تكون مردودةً في أهلها، ومواضع حقها. فكتبت إليك أسألك ردّ تلك الكوَر إلى ما كانت عليه من حالها، لتَكون فضول ردّها مصروفة إلى مواضعها، وأن تأذن لقائم بالخبر يكون بحضرتك يؤدّي إلينا علْم ما نُعنَى به من خبر طرْفك، فكتبتَ تلطّ دون ذلك بما إن تمّ أمرُك عليه صيَّرنا الحقُّ إلى مطالبتك، فاثن عن همك اثن عن مطالبتك، إن شاء الله.

فلمّا قرأ المأمون الكتاب كتب مجيبًا له:

أما بعد، فقد بلغني كتابُ أمير المؤمنين، ولمْ يكتب فيما جهل فاكشفَ له عن وجهه، ولمْ يسأل ما يوجبه حقّ فيلزمني الحجة بترك إجابته، وإنما يتجاوز المتناظران منزلة النصفة ما ضاقت النّصفة عن أهلها، فمتى تجاوز متجاوز - وهي موجودة الوسع - ولم يكن تجاوزُها إلّا عن نقضها واحتمال ما في تركها، فلا تبعثني يا بن أبي على مخالفتك وأنا مذعِنٌ بطاعتك، ولا علي قطيعتك. وأنا على إيثار ما تحب من صلتك، وارْضَ بما حكم به الحقّ في أمرك أكن بالمكان الذي أنزلني به الحق فيما بيني وبينك والسلام.

ثم أحضر الرّسل، فقال: إنّ أمير المؤمنين كتب في أمرٍ كتبتُ له في جوابِه، فأبلغوه الكتاب، وأعلموه أني لا أزال على طاعته، حتى يضطرني بترك الحقّ الواجب إلى مخالفته فذهبوا يقولون، فقال: قفوا أنفسكم حيث وقفنا بالقول بكم، وأحسنوا تأدية ما سمعتم، فقد أبلغتمونا من كتابنا ما عسى أن تقولوه لنا. فانصرف الرسل ولم يُثبتوا لأنفسهم حجة، ولم يحملوا خبرًا يؤدونه إلى صاحبهم، ورأوا جدًّا غير مشوب بهزل، في منع ما لَهُمْ من حقهم الواقع - بزعمهم.

فلما وصل كتاب المأمون إلى محمد وصل منه ما فظع به، وتخمط غيظًا بما تردد منه [في سمعه]، وأمر عند ذلك بما ذكرناه من الإمساك عن الدّعاء له على المنابر، وكتب إليه:

أما بعد، فقد بلغني كتابك غامطًا لنعمة الله عليك فيما مكَّن لك من ظلها، متعرّضًا لحِراق نار لا قِبلَ لك بها، ولَحظّك عن الطاعة كان أودع لك، وإن كان قد تقدّم مني متقدّم، فليس بخارج من مواضع نفعك إذ كان راجعًا على العامة من رعيّتك، وأكثر من ذلك ما يمكن لك من منزلة السلامة، ويثبت لك من حال

<<  <  ج: ص:  >  >>