الهُدْنة، فأعلمني رأيَك أعمل عليه. إن شاء الله (١).
وذكر سهل بن هارون عن الحسن بن سهل، أنّ المأمون قال لذي الرياستين: إن ولدي وأهلي ومالي الذي أفرده الرّشيد لي بحضرة محمد - وهو مائة ألف ألف - وأنا إليها محتاج، وهي قِبَله فما ترى في ذلك؟ وراجعه في ذلك مرارًا. فقال له ذو الرياستين: أيّها الأمير، بك حاجة إلى فضلة مالك، وأن يكون أهلك في دارك وجنابك، وإن أنت كتبتَ فيه كتاب عزمة فمنعك صار إلى خلع عهده، فإن فعل حَملَك ولو بالكُرْه على محاربته، وأنا أكره أن تكون المستفتِح باب الفُرْقة ما ارتجه الله دونك، ولكن تكتب كتاب طالب لحقِّك، وتوجيه أهلك على ما لا يوجب عليه المنع نكثًا لعهدك، فإن أطاع فنعمة وعافية، وإن أبَى لم تكن بعثت على نفسك حربًا [أو مشاقة]. فاكتب إليه، فكتب عنه:
أما بعد، فإن نظر أمير المؤمنين للعامة نظرُ من لا يقتصر عنه على إعطاء النّصفة من نفسه حتى يتجاوزَها إليهم ببرّه وصلته، وإذا كان ذلك رأيه في عامته، فأحْرِ بأن يكون على مجاوزة ذلك بصنوه وقسيم نسبه، فقد تعلم يا أمير المؤمنين حالًا أنا عليها من ثغور حللتُ بين لهواتها، وأجناد لا تزال موقنة بنشر غيِّها وبنكث آرائها، وقلة الخَرْج قِبَلي، والأهل والولد قِبَل أمير المؤمنين، وما للأهل - وإن كانوا في كفاية من برّ أمير المؤمنين، فكان لهم والدًا - بُدّ من الإشراف والنزوع إلى كنفي، ومالي بالمال من القوّة والظهير على لمّ الشعث بحضرتي، وقد وجهْتُ لحمل العيال وحمل ذلك المال، فرأى أمير المؤمنين في إجازة فلان إلى الرّقة في حمْل ذلك المال، والأمر بمعونته عليه، غير محرِج له فيه إلى ضيقة تقع بمخالفته، أو حامل له على رأي يكون على غير موافقة. والسلام.
(١) هذا خبر طويل آخر خلاصته أن الأمين أرسل جماعة يتحسسون الأمر ويبثون في العامة ما رآه الأمين من الحكم في المسألة فلما وصلوا إلى حدود منطقة الري الإدراية وجدوا الأمر غير هيّن وأن المأمون متأهب لكل طارئ بنشر العيون والحرس وأن المأمون حصل على رسالة الأمين إليه وردّه بما لا يرضيه فأغضب الأمين فأمر بالإمساك عن ذكر اسم المأمون على المنابر وما إلى ذلك وهذه رواية أخرى يوردها الطبري للمقارنة بين مختلف الروايات والمصادر ومن عادته أن يسهب في ذكر أوجه عدة للخبر كي تتكون صورة واضحة للحدث لدى القارئ بينما الأخباريون أو المؤرخون الآخرون يذكرون مختصرًا للواقع دون ذكر هذه التشعبات والتفاصيل والاختلافات والله أعلم.