للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على بصيرة من أمرِهم لتقدّم بيعتهم وما يتعاهدون من حظّهم، قال: فما ظنُّك بعامتهم؟ قال: قوم كانوا في بلوى عظيمة من تحيف ولاتهم في أموالهم، ثم في أنفسهم صاروا به إلى الأمنية من المال والرفاهة في المعيشة، فهم يدافعون عن نعمة حادثة لهم، ويتذكرون بليةً لا يأمنون العودة إليها. قال: فهل من سبيل إلى استفساد عظماء البلاد عليه، لتكون محاربتنا إياه بالمكيدة من ناحيته، لا بالزخرف نحوه لمناجزته! قال: أما الضعفاء فقد صاروا له إلبًا لما نالوا به من الأمان والنَّصفة، وأما ذوو القوة فلم يجدوا مطعنًا ولا موضع حجة. والضعفاء السواد الأكثر. قال: ما أَراك أبقيت لنا موضع رأي في اعتزالك إلى أجنادنا، ولا تمكّن النظر في ناحيته باحتيالنا، ثم أشدّ من ذلك ما قلتَ به وَهنة أجنادنا وقوة أجناده في مخالفته. وما تسخو نفس أمير المؤمنين بترك ما لا يعرف من حقه، ولا نفسي بالهدنة مع تقدمٍ جرى في أمره، وربما أقبلت الأمور مشرفةً بالمخافة، ثم تكشف عن الفُلْج والدرك في العاقبة. ثم تفرقا.

قال: وكان الفضل بن الربيع أخذ بالمراصد لئلا تجاوز الكتب الحد، فكتب الرسول مع امرأة، وجعل الكتاب وديعةً في عُودٍ منقور من أعواد الأكاف، وكتب إلى صاحب البريد بتعجيل الخبر، وكانت المرأة تمضي على المسالح كالمجتازة من القرية إلى القرية، لا تُهاج ولا تفتّش. وجاء الخبر إلى المأمون موافقًا لسائر ما ورد عليه من الكتب، قد شهد بعضها ببعض، فقال لذي الرياستين: هذه أمور قد كان الرأي أخبر عن عيبها، ثم هذه طوالع تخبر عن أواخرها، وكفانا أن نكون مع الحقّ، ولعل كرهًا يسوق خيرًا.

قال: وكان أوّل ما دبره الفضل بن سهل بعد ترك الدعاء للمأمون وصحة الخبر به، أن جَمع الأجناد التي كان أعدّها بجنبات الريّ مع أجناد قد كان مكنها فيها، وأجناد للقيام بأمرهم، وكانت البلاد أجدبت بحضرتهم، فأعدَّ لهم من الحمولة ما يحمل إليهم من كل فجّ وسبيل، حتى ما فقدوا شيئًا احتاجوا إليه، وأقاموا بالحدّ لا يتجاوزونه ولا يطلقون يدًا بسوء في عامدٍ ولا مجتاز. ثم أشخص طاهر بن الحسين فيمَنْ ضمّ إليه من قواده وأجناده، فسار طاهر مغذًّا لا يلوي على شيء، حتى ورد الرّي، فنزلها ووكَّل بأطرافها، ووضع مسالحة، وبثّ عيونه وطلائعه، فقال بعض شعراء خراسان:

<<  <  ج: ص:  >  >>