حُلوان إلى ما غلب عليه من أرض خُراسان، وندب معه فرسان الأبناء وأهل البأس والنَّجدة والغنَاء وأمره بالإكماش في السيّر، وتقليل اللُّبث والتضجّع، حتى ينزل مدينة هَمَذان، فيسبق طاهرًا إليها، ويخندق عليه وعلى أصحابه، ويجمع إليه آلة الحرب، ويغادي طاهرًا وأصحابه إلى القتال. وبسط يده وأنفذ أمره في كلّ ما يريد العمل به، وتقدّم إليه في التحفّظ والاحتراس، وترك ما عمل به عليّ من الاغترار والتضجّع، فتوجّه عبد الرحمن حتى نزل مدينة هَمَذان، فضبط طرقها، وحصّن سورها وأبوابها، وسدّ ثَلْمها، وحشر إليها الأسواق والصنّاع، وجمع فيها الآلات والميَر، واستعدّ للقاء طاهر ومحاربته. وكان يحيى بن عليّ لما قُتِل أبوه هرب في جماعة من أصحابه، فأقام بين الريّ وهمَذان، فكان لا يمرّ به أحدٌ من فَلِّ أبيه إلا احتبسه، وكان يرى أن محمدًا سيولّيه مكان أبيه، ويوجّه إليه الخيل والرجال، فأراد أن يجمع الفَلّ إلى أن يوافيَه القوة والمدد، وكتب إلى محمد يستمدّه ويستنجده، فكتب إليه محمد يعلمه توجيه عبد الرحمن الأبناويّ، ويأمره بالمقام موضعه، وتلقّى طاهر فيمن معه، وإن احتاج إلى قوة ورجال كتب إلى عبد الرحمن فقوّاه وأعانه.
فلما بلغ طاهرًا الخبرُ توجّه نحو عبد الرحمن وأصحابه، فلما قُرب من يحيى، قال يحيى لأصحابه: إن طاهرًا قد قرُب منّا ومعه مَنْ تعرفون من رجال خُراسان وفرسانها، وهو صاحبكم بالأمس، ولا آمن إن لقيتُه بمن معي من هذا الفَلّ أن يصدَعنا صدعًا يدخل وهَنُه على من خَلْفنا، وأنْ يعتلّ عبد الرحمن بذلك، ويقلّدني به العار والوَهَن والعجز عند أمير المؤمنين، وأن أستنجد به وأقمت على انتظار مدده، لم آمن أن يمسك عنا ضنًّا برجاله وإبقاءً عليهم، وشُحًّا بهم على القتل، ولكن نتزاحف إلى مدينة هَمَذان فنعسكر قريبًا من عبد الرحمن، فإن استعنّا به قرب منَّا عونُه، وإن احتاج إلينا أعنَّاه وكنّا بفنائه، وقاتلنا معه. قالوا: الرأي ما رأيتَ، فانصرف يحيى، فلمَّا قرب من مدينة هَمَذَان خذله أصحابُه، وتفرّق أكثر من كان اجتمع إليه، وقصد طاهرٌ لمدينة همَذان، فأشرف عليها، ونادى عبد الرحمن في أصحابه، فخرج على تعبية، فصادف طاهرًا فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وصبر الفريقان جميعًا، وكثر القتلى والجرحى فيهم، ثم إنّ عبد الرحمن انهزم، فدخل مدينة هَمَذان، فأقام بها أيامًا