للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى قويَ أصحابُه، واندمل جراحهم، ثم أمر بالاستعداد، وزحف إلى طاهر، فلمّا رأى طاهر أعلامه وأوائل أصحابه قد طلعوا، قال لأصحابه: إنّ عبد الرحمن يريد أن يتراءى لكم، فإن قربتم منه قاتلكم، فإن هزمتموه بادر إلى المدينة فدخلها، وقاتلكم على خندقها، وامتنع بأبوابها وسورها، وإن هزمكم اتّسع لهم المجال عليكم، وأمكنتهُ سعة المعترك من قتالكم، وقتل من انهزم وولّى منكم، ولكن قفُوا من خندقنا وعسكرنا قريبًا، فإن تقارب ما قاتلناه، وإن بعُد من خندقهم قَرُبنا منه. فوقف طاهر مكانَه، وظنّ عبد الرحمن أنّ الهيبة بطّأت به من لقائه والنهود إليه، فبادر قتاله فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وصبر طاهر، وأكثر القتل في أصحاب عبد الرحمن، وجعل عبد الرحمن يقول لأصحابه: يا معشرَ الأبناء، يا أبناء الملوك وألفاف السيوف، إنهم العجم، وليسوا بأصحاب مطاوَلة ولا صبر، فاصبروا لهم فداكم أبي وأمي! وجعل يمرّ على راية راية، فيقول: اصبروا، إنما صبرنا ساعة، هذا أول الصّبر والظَّفَر. وقاتل بيديه قتالًا شديدًا، وحمل حمَلات منكرة ما منها حملة إلا وهو يكثْر في أصحاب طاهر القتل، فلا يزول أحدٌ ولا يتزحزح. ثم إنّ رجلًا من أصحاب طاهر حمل على أصحاب علم عبد الرحمن فقتله، وذحمهم أصحاب طاهر ذحمةً شديدة، فولَّوْهم أكتافهم، فوضعوا فيهم السيوف، فلم يزالوا يقتلونهم حتى انتهواْ بهم إلى باب مدينة هَمَذان، فأقام طاهر على باب المدينة محاصرًا لهم وله، فكان عبد الرحمن يخرج في كلّ يوم فيقاتل على أبواب المدينة، ويرمي أصحابه بالحجارة من فوق السور، واشتدّ بهم الحصار، وتأذّى بهم أهلُ المدينة، وتبرّموا بالقتال والحرب، وقطع طاهر عنهم المادّة من كلّ وجه. فلما رأى عبد الرحمن، ورأى أصحابه قد هلكوا وجَهدوا، وتخوف أن يثب به أهلُ هَمَذان أرسل إلى طاهر فسأله الأمان له ولمن معه، فآمنه طاهر ووفى له، واعتزل عبد الرحمن فيمن كان استأمن معه من أصحابه وأصحاب يحيى بن عليّ (١).


(١) هذا الخبر الطويل الذي أورده الطبري استغرق الصفحات [٤١٢ - من قوله توجيه الأمين عبد الرحمن بن جبلة لحرب طاهر - إلى قوله في بداية الصفحة ٤١٥ - استأمن معه من أصحابه وأصحاب يحيى بن علي - السطر الثاني] وله ما يؤيده عند الدينوري ولكن باختصار =

<<  <  ج: ص:  >  >>