للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غضبُه، وهو يقول: ينام نومَ الظَّرِبان، [وينتبه انتباه الذئب، همُّه بطنه، يخاتل الرّعاء والكلاب ترصده]. لا يفكر في زوال نعمة، ولا يروّى في إمضاء رأي ولا مكيدة، قد ألهاه كأسه، وشغله قَدَحُه، فهو يجري في لهوه، والأيام توضع في هلاكه، قد شمّر عبد الله له عن ساقه، وفوّق له اصوبَ أسهمه، يرميه على بعد الدّار بالحتْف النافذ، والموت القاصد، قد عبّى له المنايا على متون الخيل، وناط له البلاء في أسنّة الرماح وشفار السيوف. ثم استرجع، وتمثل بشعر البَعيث:

ومَجْدولَةٍ جدْل العِنانِ خَريدَةٍ ... لها شَعَرٌ جَعْدٌ ووَجهٌ مُقْسَمُ

وثغر نَقِيُّ اللوْنِ عَذبٌ مَذاقهُ ... تُضِيءُ لها الظلمَاء ساعَةَ تَبْسِمُ

وثديانِ كالحُقِّيْن، والبَطْنُ ضامِرٌ ... خَميصٌ، وجَهَمٌ نارُهُ تتضَرَّمُ

لَهَوْتُ بها لَيْلَ التِّمامِ ابنَ خالِدٍ ... وأَنت بِمَرْوَ الرُّوذ غَيْظًا تَجرَّمُ

أَظَلُّ أُناغِيَها وتحتَ ابنِ خالدٍ ... أمَيَّةَ نَهْدُ المَرْكَلَينِ عَثْمثمُ

طوَاهُ طِرادُ الخَيْل في كلِّ غارَة ... لها عارض فيه الأَسِنَّةُ تُرْزِمُ

يُقارعُ أتراكَ ابن خاقانَ ليلةً ... إِلى أَن يُرَى الإِصباحُ لا يتلعْثَمُ

فيُصْبح منْ طُولِ الطّرادِ، وَجِسْمُهُ ... نحِيل وَأُضحِى في النَّعيم أُصَمْصمُ

أُبَاكِرُهَا صَهْباءَ كالمسكِ ريحُها ... لها أَرجٌ في دَنِّها حين تَرشُمُ

فَشَتَّانَ ما بَيِني وبَينَ ابن خالد ... أَميَّةَ في الرِّزقِ الذِي اللهُ قاسِمُ

ثم التفت إليّ فقال: يا أبا الحارث، أنا وإياك نجري إلى غاية، إن قصّرنا عنها ذُمِمْنَا، وإن اجتهدنا في بلوغها انقطعنا، وإنما نحن شعب من أصل، إن قوي قوينا، وإن ضعف ضعفنا، إن هذا قد ألقى بيده إلقاء الأمَة الوكْعاء، يشاور النساء، ويعتزم على الرؤيا، وقد أمكن مسامعه من أهل اللهو والجسارة، فهم يعدُونه الظَّفَر، ويمنّونه عقب الأيام، والهلاك أسرع إليه من السيل إلى قيعان الرمل، وقد خشيت والله أن نهلك بهلاكه، ونعطب بعطبه، وأنت فارس العرب وابن فارسها، قد فزع إليك في لقاء هذا الرجل وأطمَعَه فيما قبَلك أمران، أما أحدهما فصدق طاعتك وفضل نصيحتك، والثاني يُمْن نقيبتك وشدّة بأسك، وقد أمرني إزاحة علّتك وبسط يدك فيما أحببت، غير أن الاقتصاد رأسُ النصيحة ومفتاح اليُمنْ والبركة، فأنجز حوائجك، وعجِّل المبادرة إلى عدّوك، فإني

<<  <  ج: ص:  >  >>