وذكر أن أحمد بن مزيد لمّا أراد الشخوص دخل على محمد، فقال: أوصِني أكرم الله أمير المؤمنين! فقال: أوصيك بخصال عِدّة: إياك والبغْيَ، فإنه عِقال النصر، ولا تقدّم رِجْلا إلا باستخارة، ولا تُشهِر سيفًا إلا بعد إعذار، ومهما قَدَرت باللين فلا تتعدّه إلى الخُرْق والشِّرَّة، وأحسِنْ صحابة مَنْ معك من الجند، وطالعني بأخبارك في كلّ يوم، ولا تخاطر بنفسك طلب الزلفة عندي، ولا تستقْها فيما تتخوّف رجوعه عليَّ، وكن لعبد الله أخًا مصافيًا، وقرينًا بَرًّا وأحسن مجامعته وصحبته ومعاشرته، ولا تخذله إن استنصرك، ولا تبطئ عنه إذا استصرخَك، ولتكن أيديكما واحدةً، وكلمتكما متفقة. ثم قال: سلْ حوائجك، وعجّل السراح إلى عدوّك. فدعا له أحمد، وقال: يا أميرَ المؤمنين، كَثِّرْ لي الدعاء ولاتقبل فيّ قول باغٍ، ولا ترفضني قبل المعرفة بموضع قدمي لك، [ولا تنقض عليّ ما استجمع من رأي، ومنّ عليّ بالصفح عن ابن أخي، قال: ذلك لك] ثم بعث إلى أسد فحلّ قيودَه وخلّى سبيله، فقال أبو الأسد الشيبانيّ في ذلك [يمدح أحمد ويذكر حاله ومنزلته]:
وحَصَّلَهُ فيها كلَيثٍ غضَنْفرٍ ... أبي أَشْبلٍ عبْلِ الذِّراع مَدِيدِ
وذكر يزيد بن الحارث أنّ محمّدًا وجّه أحمد بن مزيد في عشرين ألف رجل من الأعراب، وعبد الله بن حميد بن قَحْطبة في عشرين ألف رجل من الأبناء، وأمرهما أن ينزلا حُلْوان، ويدفعا طاهرًا وأصحابه عنها، وإن أقام طاهر بشلاشان أن يتوجّها إليه في أصحابهما حتى يدفعاه، وينصبا له الحرْب، وتقدّم إليهما في اجتماع الكلمة والتوادِّ والتحابّ على الطاعة، فتوجّها حتى نزلا قريبًا من حُلوان بموضعٍ يقال له خانقين، وأقام طاهر بموضعه، وخندق عليه وعلى أصحابه، ودس الجواسيس والعيون إلى عسكريهما، فكانوا يأتونهم بالأراجيف،