أسلّم عليه، وأستعين بمنزلته ومحضره عند محمد، فلما أذن لي دخلت عليه، وإذا عنده عبد الله بن حُميد بن قحطبة، وهو يريده على الشخوص إلى طاهر، وعبد الله يشتطّ عليه في طلب المال والإكثار من الرجال، فلمّا رآني رحّب بي وأخذ بيدي، ورفعني حتى صيّرني معه على صدر المجلس، وأقبل على عبد الله يداعبه ويمازحه، فتبسّم في وجهه، ثم قال:
فقال عبد الله: إنّهم لكذلك، وإن منهم لسَدّ الخَلل ونكاء العدوّ، ودفع معرّة أهل المعصية عن أهل الطاعة. ثم أقبل على الفضل، فقال: إنّ أمير المؤمنين أجرى ذكرك، فوصفتُك له بحسن الطاعة وفضل النصيحة والشدّة على أهل المعصية، والتقدّم بالرأي، فأحبَّ اصطناعك والتنويهَ باسمك، وأن يرفعك إلى منزلةٍ لم يبلغها أحد من أهل بيتك. والتفت إلى خادمه، فقال: يا سرّاج، مُرْ دوابّي، فلم ألبث أن أسرجَ له، فمضى ومضيت معه، حتى دخلنا على محمد وهو في صحن داره، له ساج، فلم يزل يأمرني بالدنوّ حتى كدت ألاصقه، فقال: إنه قد كثر عليّ تخليط ابن أخيك وتنكّره، وطال خلافه عليّ حتى أوحشني ذلك منه، وولَّد في قلبي التهمة له، وصيّرني لسوء المذهب وخبث الطاعة إلى أن تناولته من الأدب والحبس بما لم أحبّ أن أكون أتناوله به، وقد وُصفتَ لي بخير، ونُسبت إلى جميل، فأحببت أن أرفع قدرَك، وأعلي منزلتك، وأقدّمك على أهل بيتك، وأن أولِّيَك جهاد هذه الفئة الباغية الناكثة، وأعرّضك للأجر والثواب في قتالهم ولقائهم، فانظر كيف تكون، وصحِّح نيّتَك، وأعن أميرَ المؤمنين على اصطناعك، وسُره في عدوّه ينعم سرورك وتشريفك. فقلت: سأبذل في طاعة أمير المؤمنين أعزّه الله مهجتِي، وأبلغ في جهاد عدوّه أفضل ما أمّله عندي، ورجاه من غنائي وكفايتي، إن شاء الله. فقال: يا فضل، قال: لبيك يا أمير المؤمنين! قال: ادفع إليه دفاترَ أصحاب أسد، واضممّ إليه مَنْ شهد العسكر من رجال الجزيرة والأعراب، وقال: أكمش على أمرك، وعجّل المسير إليه. فخرجت فانتخبت الرجال واعترضت الدفَاتر، فبلغت عدّة من صحّحتُ اسمه عشرين ألف رجل. ثم توجّهت بهم إلى حُلوان.