وذُكر عن بعض خاصة محمد أنّ أسدًا قال لمحمد: ادفع إليّ ولديْ عبد الله المأمون حتى يكونا أسيرين في يدِي، فإن أعطاني الطاعة، وألقى إليّ بيده، وإلّا عملت فيهما بحكمي، وأنفذت فيهما أمري. فقال: أنت أعرابي مجنون، أدعوك إلى ولاء أعنّة العرب والعجم، وأطعمك خراج كُور الجبال إلى خُراسان، وارفع منزلتَك عن نظرائك من أبناء القوّاد والملوك، وتدعونني إلى قتل ولدي، وسفك دماء أهل بيتي! إنّ: هذا للْخُرق والتخليط. وكان ببغداد ابنان لعبد الله المأمون، وهما مع أمِّهما أم عيسى ابنة موسى الهادي، نزولًا في قصر المأمون ببغداد، فلمّا ظفر المأمون ببغداد خرجَا إليه مع أمّهما إلى خُراسان، فلم يزالا بها حتى قدموا بغداد، وهما أكبر ولده.
وذكر زياد بن عليّ، قال: لما غضِب محمد على أسد بن يزيد، وأمر بحبسه، قال: هل في أهل بيت هذا من يقوم مقامه، فإني أكره أن أستفسدهم مع سابقتم وما تقدّم من طاعتهم ونصيحتهم؟ قالوا: نعم، فيهم أحمد بن مزيد، وهو أحسنُهم طريقة، وأصّحهم نيّة في الطاعة، وله مع هذا بأس ونجدة وبَصَر بسياسة الجنود ولقاء الحروب، فأنفذ إليه محمد بَريدًا يأمره بالقدوم عليه، فذكر بكر بن أحمد، قال: كان أحمد متوجّهًا إلى قرية تدعى إسحاقيّة، ومعه نفر من أهل بيته ومواليه وحشمه، فلما جاوز نهر أبان سمع صوت بريد في جوف الليل، فقال: إن هذا لعجيب، بريد في مثل هذه الساعة وفي مثل هذا الموضع! إن هذا الأمرَ لعجيب. ثم لم يلبث البريد أن وقف، ونادى الملّاحَ: هل معك أحمد بن مزيد؟ قال: نعم، فنزل فدفع إليه كتاب محمد، فقرأه ثم قال: إني قد بلغت ضيعتي، وإنما بيني وبينها ميل، فدعني أقعْها وقعة فآمر فيها بما أريد ثم أغدو معك، فقال: لا، إنّ أمير المؤمنين أمرني ألّا أنظرك ولا أرفّهك، وأنْ أشخصك أيّ ساعة صادفتك فيها، من ليل أو نهار. فانصرف معه حتى أتى الكوفة، فأقام بها يومًا حتى تجمَّل وأخذ أهبة السفر، ثم مضى إلى محمد.
فذكر عن أحمد، قال: لما دخلت بغداد، بدأت بالفضل بن الربيع، فقلت:
= والعتاد، والرجال، والسلاح، فصار به إلى محمد، وعرّفه ذلك، فغضب، وأمر بحبسه. [الوزراء والكتاب/ ٢٩٤].