والفرسان على الظهر ووصلهم، وقوّى ضعفاءهم، ثم حملهم حتى أخرجهم من بلاد الجزيرة، وذلك في سنة ست وتسعين ومائة.
وذكر أحمد بن عبد الله، أنه كان فيمن شهد مع عبد الملك الجزيرة لمّا انصرف بهم الحسين بن عليّ، وذلك في رجب من سنة ست وتسعين ومائة. وذكر أنه تلقاه الأبناء وأهل بغداد بالتكرمة والتعظيم، وضربوا له القِباب، واستقبله القوّاد والرؤساء والأشراف، ودخل منزله في أفضل كرامة وأحسن هيئة، فلما كان في جوف الليل بعث إليه محمد يأمره بالركوب إليه، فقال للرسول: والله ما أنا بمغَن ولا بمسامر ولا مضحك، ولا وليتُ له عملًا، ولا جرى له على يدي مال، فلأيّ شيء يريدني في هذه الساعة! انصرف، فإذا أصبحتُ غدوتُ إليه إن شاء الله.
فانصرف الرسول، وأصبح الحسين فوافى بابَ الجسر، واجتمع إليه النّاس، فأمر بإغلاق الباب الذي يخرج منه إلى قصر عبد الله بن عليّ وباب سوق يحيى، وقال: يا معشر الأبناء، إن خلافة الله لا تجاور بالبطر، ونِعَمه لا تستصحَب بالتجبر والتكبر، وإن محمدًا يريد أن يوتغ أديانكم، وينكث بيعتكم، ويفرّق جمعكم، وينقل عزّكم إلى غيركم، وهو صاحب الزّواقيل بالأمس، وبالله إن طالت به مدّة وراجعه من أمره قوة، ليرجعن وبال ذلك عليكم، وليعرَفنّ ضرره ومكروهه في دولتكم ودعوتكم، فاقطعوا أثَره قبل أن يقطع آثاركم، وضعوا عزّه قبل أن يضع عزَّكم، فوالله لا ينصره منكم ناصر إلا خُذِل، ولا يمنعه مانع إلا قُتِل، وما عند الله لأحد هوادة، ولا يراقب على الاستخفاف بعهوده والحنْث بأيمانه. ثم أمر الناس بعبُور الجسر فعبروا، حتى صاروا إلى سكة باب خُراسان، واجتمعت الحربية وأهل الأرْباض ممّا يلي باب الشام، [وباب الأنبار وشطّ الصراة مما يلي باب الكوفة]. وتسرّعت خيول من خيول محمد من الأعراب وغيرهم إلى الحسين بن عليّ، فاقتتلوا قتالًا شديدًا مليًّا من النهار، وأمر الحسين مَنْ كان معه من قوّاده وخاصة أصحابه بالنزول فنزلوا إليهم بالسّيوف والرماح، وصدَقوهم القتال، وكشفوهم حتى تفرّقوا عن باب الخلد.
قال: فخلع الحسين بن عليّ محمدًا يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلَت من