للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجب سنة ست وتسعين ومائة، وأخذ البيْعة لعبد الله المأمون من غد يوم الإثنين إلى الليل، وغدا إلى محمد يوم الثلاثاء، فوثب بعد الوقعة التي كانت بين الحسين وبين أصحاب محمد العباس بن موسى بن عيسى الهاشميّ على محمّد، ودخل عليه فأخرجه من قصر الخُلْد إلى قصر أبي جعفر، فحبسه هناك إلى صلاة الظهر، ثم وثب العباس بن موسى بن عيسى على أمّ جعفر فأمرها بالخروج من قصرها إلى مدينة أبي جعفر، فأبت، فدعا لها بكرسيّ، وأمرها بالجلوس فيه، فقنعها بالسوْط وساءها، وأغلظ لها القول، فجلست فيه، ثم أمر بها فأدخلت المدينة مع ابنها وولدها. فلما أصبح الناس من الغد طلبوا من الحسين بن عليّ الأرزاق وماجَ الناس بعضهم في بعض، وقام محمد بن أبي خالد بباب الشام، فقال: أيها الناس، والله ما أدري بأي سبب يتأمّر الحسين بن عليّ علينا، ويتولى هذا الأمر دوننا! ما هو بأكبرنا سنًّا، ولا أكرمنا حسبًا، ولا أعظمنا منزلة، وإن فينا مَنْ لا يرضى بالدنيّة، ولا يقاد بالمخادعة، وإني أوّلكم نقض عهده، وأظهر التغيير عليه، والإنكار لفعله، فمن كان رأيه رأي فليعتزل معي.

وقام أسد الحربيّ، فقال: يا معشر الحربيّة، هذا يوم له ما بعده، إنكم قد نمتم وطال نومكم، وتأخرّتم فقدِّم عليكم غيركم، وقد ذهب أقوام بذكر خَلْع محمد وأسره، فاذهبوا بذكر فكّه وإطلاقه.

فأقبل شيخ كبير من أبناء الكفاية على فَرَس، فصاح بالناس: اسكتوا، فسكتوا، فقال: أيّها الناس، هل تعتدون على محمد بقطعٍ منه لأرزاقكم؟ قالوا: لا، قال: فهل قصر بأحد منكم أو من رؤسائكم وكبرائكم؟ قالوا: ما علمنا، قال: فهل عزل أحدًا من قوّادكم؟ قالوا: معاذ الله أن يكون فعل ذلك! قال: فما بالكم خذلتموه وأعنتُم عدوّه على اضطهاده وأسره! أما والله ما قَتَلَ قومٌ خليفتَهم قطّ إلا سلّط الله عليهم السيف القاتل، والحتف الجارف، انهضوا إلى خليفتكم وادفعوا عنه، وقاتلوا مَنْ أراد خلعه والفتك به. ونهضت الحربيَة، ونهض معهم عامّة أهل الأرباض في المشهّرات والعُدّة الحسنة. فقاتلوا الحسين بن عليّ وأصحابَه قتالًا شديدًا منذ ارتفاع النهار إلى انكسار الشمس، وأكثروا في أصحابه الجِراح، وأسِر الحسين بن عليّ، ودخل أسد الحربيّ على محمد، فكسر قيودَه وأقعده في مجلس الخلافة، فنظر محمد إلى قوم ليس عليهم لباس الحرب

<<  <  ج: ص:  >  >>