للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجند، ولا عليهم سلاح، فأمرهم فأخذوا من السلاح الذي في الخزائن حاجتَهم ووعدهم ومنّاهم، وانتهب الغوغاء بذلك السبب سلاحًا كثيرًا ومتاعًا من خَزّ وغير ذلك، وأتِيَ بالحسين بن عليّ، فلامه محمد على خلافه وقال له: ألم أقدّم أباك على الناس، وأُوَلِّهِ أعنّة الخيل وأملأ يده من الأموال، وأشرّف أقداركم في أهل خراسان، وأرفع منازلَكم على غيركم من القوّاد! قال: بلى، قال: فما الذي استحققتُ به منك أن تخلع طاعتي، وتؤلّب الناس عليّ، وتندبهم إلى قتالي! قال: الثقة بعفو أميرِ المؤمنين وحسن الظن بصفحه وتفضله. قال: فإن أمير المؤمنين قد فعل ذلك بك، وولَاك الطلب بثأرِك، ومن قتِل من أهل بيتك. ثم دعا له بخِلعة فخلعها عليه، وحمله على مراكب، وأمره بالمسير إلى حُلوان، وولّاه ما وراء بابه.

وذُكر عن عثمان بن سعيد الطائي، قال: كانت لي من الحسين بن عليّ ناحية خاصّة، فلما رضي عنه محمد، وردّ إليه قيادتَه ومنزلتَه، عبرت إليه مع المهنئين، فوجدته واقفًا بباب الجسر، فهنّاته ودعوت له، ثم قلت له: إنكَ قد أصبحتَ سيّد العسكرين، وثقة أميرّ المؤمنين، فأشكر العفو والإقالة، ثم داعبتُه ومازحته، ثم أنشأت أقول:

همُ قتَلوه حين تَمَّ تمامُه ... وصار مُعَزًّا بالنَّدَى والتَّمَجُّدِ

أَغَرُّ كأَنَّ البدرَ سُنَّةُ وَجْهِه ... إِذا جاءَ يمشي في الحديد المُسرّد

إذا جَشَأَت نفسُ الجَبانِ وَهَلَّلتْ ... مَضَى قُدُمًا بالمَشرَفيّ المُهَنَّدِ

حليمٌ لدَى النادِي جَهُولٌ لَدى الوغَى ... عَكورٌ على الأَعدَاء قليلُ التَّزَيدِ

فثَأرَكَ أَدرِكْهُ مِنَ القَوم إنَّهمْ ... رَموكَ على عَمْدٍ بِشَنعضا مُزَنّدِ

فضحك، ثم قال: ما أحرصتني على ذاك إن ساعدني عُمْر، وأيِّدت بفتْح ونَصْر. ثم وقف على باب الجسر، وهرب في نفر من خدمه ومواليه، فنادى محمد في الناس، فركبوا في طلبه، فأدركوه بمسجد كوثر، فلما بصر بالخيل نزل وقيّد فرَسه، وصلى ركعتين وتحرّم، ثم لقيهم فحمل عليهم حملات في محلِّها يهزمهم ويقتل فيهم. ثم إنّ فرسه عثر به وسقط، وابتدره الناس طعنًا وضربا وأخذوا رأسه، وفي ذلك يقول عليّ بن جبلة - وقيل الخرَيميّ:

أَلا قاتَلَ اللهُ الأُلَى كفروا به ... وفازوا برأس الْهَرْثمِيِّ حُسَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>