للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتبعه، وأن يعاجله قبل أن يتحصّن بسوق الأهواز، وأمر الحسن بن عليّ المأمونيّ والحسين بن عمر الرستميّ أن يسيرا بعقبه، فإن احتاج إلى معونتهما أعاناه. ومضى قريش بن شبل يقفو محمد بن يزيد، كلّما ارتحل محمد بن يزيد من قرية نزلها قريش، حتى صاروا إلى سوق الأهواز.

وسبق محمد بن يزيد إلى المدينة فدخلها، واستند إلى العمران، فصيّره وراء ظهره، وعبّى أصحابه، وعزم على مواقعتهم، ودعا بالأموال فصبّت بين يديه، وقال لأصحابه: مَنْ أحبّ منكم الجائزة والمنزلة فليعرفني أثره. وأقبل قريش بن شبل حتى صار قريبًا منه، وقال لأصحابه: الزموا مواضعكم ومصافّكم، وليكن أكثر ما قاتلتموهم وأنتم مريحون فقاتلوهم بنشاط وقوّة، فلم يبق أحدٌ من أصحابه إلّا جمع بين يديه ما قدر عليه من الحجارة، فلم يعبر إليهم محمد بن يزيد، حتى أوهنوهم بالحجارة، وجرحوهم جراحاتٍ كثيرة بالنُّشاب، وعبرت طائفة من أصحاب محمد بن يزيد، فأمر قريش أصحابَه أن ينزلوا إليهم فنزلوا إليهم، فقاتلوهم قتالًا شديدًا حتى رجعوا، وترادَّ الناس بعضهم إلى بعض. والتفت محمد بن يزيد إلى نفر كانوا معه من مواليه، فقال: ما رأيكم؟ قالوا: في ماذا؟ قال: إني أرى من معي قد انهزم، ولست آمنُ من خذلانهم، ولا آملُ رجعتهم، وقد عزمت على النزول والقتال بنفسي، حتى يقضي الله ما أحبّ، فمن أراد منكم الانصراف فلينصرف، فوالله لأن تبقوا أحبّ إليّ من أن تعطبوا وتهلكوا. فقالوا: والله ما أنصفناكَ، إذًا تكون أعتقتَنا من الرّق ورفعتنا من الضّعة، ثم أغنيتنا بعد القِلّة، ثم نخذلك على هذه الحال، بل نتقدّم أمامك ونموت تحت ركابك، فلعن الله الدنيا والعيش بعدك. ثم نزلوا فعرقبوا دوابَّهم، وحملوا على أصحاب قريش حملةً منكرَة، فأكثروا فيهم القتل، وشدخوهم بالحجارة وغير ذلك، وانتهى بعض أصحاب طاهر إلى محمد بن يزيد، فطعنه بالرمح فصرعه، وتبادروا إليه بالضّرب والطعن حتى قتلوه، فقال بعض أهل البصرة يرثيه، ويذكر مقتله:

مَن ذاقَ طعم الرُّقادِ مِن فَرَحٍ ... فإِنني قد أَضَرَّ بي سَهَرِي

ولَّى فتَى الرُّشدِ فافتَقَدتُ به ... قلبي وسمعي وغرّني بصري

كانَ غِياثًا لدَى المُحولِ فقد ... ولَّى غمامُ الرَّبيعِ والمطَر

<<  <  ج: ص:  >  >>