للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طرق المسلمين حتى إن الرجال [الذين بلوا من حربه من جانبهم ليس منهم]، ولا لهم بالكرخ دور ولا عقار؛ وإنما هم بين طرار وسواط ونطاف، وأهل السجون. وإنما مأواهم الحمامات والمساجد، والتجار منهم إنما هم باعة الطريق يتجرون في محقرات [البيوع، قد ضاقت بهم طرق المسلمين، حتى إن الرجل ليستقبل، المرأة في زحمة الناس فيلتثان قبل التخلص؛ وحتى إن الشيخ ليسقط لوجهه ضعفًا؛ وحتى إن الحامل الكيس في حجزته وكفه ليطر منه، وما لنا بهم يدان ولا طاقة؛ ولا تملك لأنفسنا معهم شيئًا؛ وأن بعضهم يرفع الحجر عن الطريق لما جاء فيه من الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فكيف لو اقتدرنا على من في إقامته عن الطريق، وتخليده السجن، وتنفيته عن البلاد وحسم الشر والشغب ونفي الزعارة والطر والسرق، وصلاح الدين والدنيا، وحاش لله أن يحاربك منا أحد!

فذكر أنهم كتبوا بهذا قصة، واتعد قوم على الانسلال إليه بها، فقال لهم أهل الرأي منهم والحزم: لا تظنوا أن طاهرًا غبي عن هذا أو قصَّر عن إذكاء العيون فيكم وعليكم؛ حتى كأنه شاهدكم؛ والرأي ألا تشهروا أنفسكم بهذا؛ فإنا لا نأمن إن رآكم أحد من السفلة أن يكون به هلاككم وذهاب أموالكم؛ والخوف من تعرضكم لهؤلاء السفلة أعظم من طلبكم براءة الساحة عند طاهر خوفًا، بل لو كنتم من أهل الآثام والذنوب لكنتم إلى صفحه وتغمده وعفوه أقرب، فتوكلوا على الله تبارك وتعالى وأمسكوا. فأجابوهم وأمسكوا. وقال ابن أبي طالب المكفوف:

دَعُوا أَهل الطَّريق فَعَنْ قليل ... تَنالهمُ مخاليبُ الهَصُورِ

فتهتِكُ حُجْبَ أَفئدةٍ شِدادٍ ... وشيكًا ما تصير إلى القُبُورِ

فإِنَّ الله مُهلكُهُمُ جميعًا ... بأَسباب التمني والفُجُورٍ

وذكر أن الهرش خرج ومعه الغوغاء والغزاة ولفيفهم حتى صار إلى جزيرة العباس، وخرجت عصابة من أصحاب طاهر، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وكانت ناحية لم يقاتل فيها، فصار ذلك على الوجه بعد ذلك اليوم موضعًا للقتال؛ حتى كان الفتح منه؛ وكان أول يوم قاتلوا فيه استعلى أصحاب محمد على أصحاب طاهر حتى بلغوا بهم دار أبي يزيد الشروي. وخاف أهل الأرباض في تلك النواحي مما يلي طريق باب الأنبار؛ فذكر أن طاهرًا لما رأى ذلك وجه إليهم قائدًا من أصحابه،

<<  <  ج: ص:  >  >>