للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمره مثله في أيام الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان؛ فقالوا له: يخرج ببدنه إلى هرثمة - إذ كان يأمن به ويثق بناحيته، وكان مستوحشًا منك، ويدفع إليك الخاتم والقضيب والبردة - وذلك الخلافة - ولا تفسد هذا الأمر واغتنمه إذ يسره الله. فأجاب إلى ذلك ورضي به. ثم قيل: إن الهرش لما علم بالخبر، أراد التقرب إلى طاهر، فخبره أن الذي جرى بينهم وبينه مكر، وأن الخاتم والبردة والقضيب تحمل مع محمد إلى هرثمة. فقبل طاهر ذلك منه، وظن أنه كما كتب به إليه، فاغتاظ وكمن حول قصر أم جعفر وقصور الخلد كمناء بالسلاح ومعهم العتل والفؤوس، وذلك ليلة الأحد لخمس بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة، وفي الشهر السرياني خمسة وعشرون من أيلول.

فذكر الحسن بن أبي سعيد، قال: أخبرني طارق الخادم، قال: لما هم محمد بالخروج إلى هرثمة عطش قبل خروجه، فطلبت له في خزانة شرابه ماء فلم أجده. قال: وأمسى فبادر يريد هرثمة للوعد الذي كان بينه وبينه؛ ولبس ثياب الخلافة؛ دراعة وطيلسانًا والقلنسوة الطويلة، وبين يديه شمعة فلما انتهينا إلى دار الحرس من باب البصرة، قال: اسقني من جباب الحرس، فناولته كوزًا من ماء، فعافه لزهوكته فلم يشرب منه؛ وصار إلى هرثمة. فوثب به طاهر، وأكمن له نفسه في الخلد؛ فلما صار إلى الحراقة؛ خرج طاهر وأصحابه فرموا الحراقة بالسهام والحجارة، فمالوا ناحية الماء، وانكفأت الحراقة؛ فغرق محمد وهرثمة ومن كان فيها، فسبح محمد حتى عبر وصار إلى بستان موسى، وظن أن غرقه إنما كان حيلة من هرثمة، فعبر دجلة حتى صار إلى قرب الصراة، وكان على المسلحة إبراهيم بن جعفر البلخي ومحمد بن حميد هو ابن أخي شكلة أم إبراهيم بن المهدي - وكان طاهر ولاه وكان إذا ولى رجلًا من أصحابه خراسانيًا ضم إليه قومًا - فعرفه محمد بن حميد وهو المعروف بالطاهري؛ وكان طاهر يقدمه في الولايات، فصاح بأصحابه فنزلوا، فأخذوا، فبادر محمدًا لمًّا، فأخذ بساقيه فجذبه، وحمل على برذون، وألقى عليه إزار من أزر الجند غير مفتول، وصار به إلى منزل إبراهيم بن جعفر البلخي، وكان ينزل بباب الكوفة، وأردف رجلًا خلفه يمسكه لئلا يسقط، كما يفعل بالأسير.

فذكر عن الحسن بن أبي سعيد، أن خطَّاب بن زياد حدثه أن محمدًا وهرثمة

<<  <  ج: ص:  >  >>