للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما غرقا، بادر طاهر إلى بستان مؤنسة، بإزاء باب الأنبار، موضع معسكره لئلا يتهم بغرق هرثمة. قال: فلما انتهى طاهر - ونحن معه في الموكب والحسن بن علي المأموني والحسن الكبير الخادم للرشيد - إلى باب الشأم، لحقنا محمد بن حميد، فترجل ودنا من طاهر، فأخبره أنه قد أسر محمدًا، ووجه به إلى باب الكوفة إلى منزل إبراهيم البلخي. قال: فالتفت إلينا طاهر، فأخبرنا الخبر، وقال: ما تقولون؟ فقال له المأموني: (مكن)، أي لا تفعل فعل حسين بن علي. قال: فدعا طاهر بمولى له يقال له قريش الدنداني، فأمره بقتل محمد. قال: واتبعه طاهر يريد باب الكوفة إلى الموضع.

وأما المدائني فإنه ذكر عن محمد بن عيسى الجُلودي، قال: لما تهيأ للخروج - وكان بعد عشاء الآخرة من ليلة الأحد - خرج إلى صحن القصر، فقعد على كرسي، وعليه ثياب بيض وطيلسان أسود، فدخلنا عليه، فقمنا بين يديه بالأعمدة قال: فجاء كتلة الخادم، فقال: يا سيدي، أبو حاتم يقرئك السلام، ويقول: يا سيدي وافيت للميعاد لحملك، ولكني أرى ألا تخرج الليلة، فإني رأيت في دجلة على الشط أمرًا قد رابني، وأخاف أن أغلب فتؤخد من يدي أو تذهب نفسك، ولكن أقِم بمكانك حتى أرجع تم استعد ثم آتيك القابلة فأخرجك؛ فإن حوربت حاربت دونك ومعي عدتي. قال: فقال له محمد: ارجع إليه، فقل له: لا تبرح؛ فإني خارج إليك الساعة لا محالة، ولست أقيم إلى غد. قال: وقلق وقال: قد تفرق عني الناس ومن على بابي من الموالي والحرس، ولا آمن إن أصبحت وانتهى الخبر بتفريقهم إلى طاهر أن يدخل علي فيأخدني ودعا بفرس له أدهم محذوف أغر محجل كان يسميه الزهري ثم دعا بابنيه فضمهما إليه، وشمهما وقبلهما، وقال: أستودعكما الله؛ ودمعت عيناه، وجعل يمسح دموعه بكمِّه، ثم قام فوثب على الفرس، وخرجنا بين يديه إلى باب القصر؛ حتى ركبنا دوابنا؛ وبين يديه شمعة واحدة. فلما صرنا إلى الطاقات ممايلي باب خراسان، قال لي أبي: يا محمد، أبسط يدك عليه؛ فإني أخاف أن يضربه إنسان بالسيف؛ فإن ضرب كان الضرب بك دونه. قال: فألقيت عنان فرسي بين معرفته، وبسطت يدي عليه حتى انتهينا إلى باب خراسان، فأمرنا به ففتح، ثم خرجنا إلى المشرعة، فإذا حراقة هرثمة، فرقى إليها، فجعل الفرس يتلكأ وينفر، وضربه بالسوط وحمله

<<  <  ج: ص:  >  >>