عليها، حتى ركبها في دجلة، فنزل في الحراقة، وأخذنا الفرس، ورجعنا إلى المدينة، فدخلناها وأمرنا بالباب فأغلق، وسمعنا الواعية، فصعدنا على القبة التي على الباب؛ فوقفنا فيها نسمع الصوت.
فذكر عن أحمد بن سلام صاحب المظالم أنه قال: كنت فيمن ركب مع هرثمة من القواد في الحراقة، فلما نزلها محمد قمنا على أرجلنا إعظامًا وجثى هرثمة على ركبتيه، وقال له: يا سيدي، ما أقدر على القيام لمكان النِّقرس الذي بي، ثم احتضنه وصيره في حجره، ثم جعل يقبل يديه ورجليه وعينيه، ويقول: يا سيدي ومولاي وابن سيدي ومولاي. قال: وجعل يتصفح وجوهنا، قال: ونظر إلى عبيد الله بن الوضاح، فقال له: أيهم أنت؟ قال أنا عبيد الله بن الوضاح، قال: نعم فجزاك الله خيرًا، فما أشكرني لما كان منك من أمر الثلج! ولو قد لقيت أخي أبقاه الله لم أدع أن أشكرك عنده، وسألته مكافأتك عني. قال: فبينا نحن كذلك - وقد أمر هرثمة بالحراقة أن تدفع - إذ شد علينا أصحاب طاهر في الزواريق والشذوات وعطعطوا وتعلقوا بالسكان، فبعض يقطع السكان، وبعض ينقب الحراقة، وبعض يرمي بالآجر والنشاب. قال: فنقبت الحراقة، فدخلها الماء فغرقت، وسقط هرثمة إلى الماء، فأخرجه ملاح؛ وخرج كل واحد منا على حيله؛ ورأيت محمدًا حين صار إلى تلك الحال قد شق عليه ثيابه، ورمى بنفسه إلى الماء. قال: فخرجت إلى الشط: فعلقني رجل من أصحاب طاهر؛ فمضى بي إلى رجل قاعد على كرسي من حديد على شط دجلة في ظهر قصر أم جعفر، بين يديه نار توقد، فقال بالفارسية: هذا رجل خرج من الماء ممن غرق من أهل الحراقة، فقال لي: من أنت؟ قلت: من أصحاب هرثمة؛ أنا أحمد بن سلام صاحب شرطة مولى أمير المؤمنين، قال: كذبت فاصدقني، قال: قلت. قد صدقتك، قال: فما فعل المخلوع قلت: قد رأيته حين شق عليه ثيابه، وقذف بنفسه في الماء قال: قدموا دابتي؛ فقدموا دابته، فركب وأمر بي أن أجنب. قال: فجعل في عنقي حبل وجنبت؛ وأخذ في درب الرشدية، فلما انتهى إلى مسجد أسد بن المرزبان، انبهرت من العدو فلم أقدر أن أعدو، فقال الذي يجنبني: قد قام هذا الرجل؛ وليس يعدو، قال: انزل فحزَّ رأسه، فقلت له: جعلت فداك! لم تقتلني وأنا رجل علي من الله نعمة، ولم أقدر على العدو، وأنا أفدي نفسي بعشرة آلاف