قولا له: يا بنَ وليِّ الهدَى ... طَهِّر بلادَ اللهِ من طاهِرِ
لم يكفه أَنْ حَزَّ أوداجه ... ذَبْحَ الهدَايا بمُدَى الجازِرِ
حتَّى أَتى يَسْحَبُ أَوصاله ... في شَطَنٍ يُفنِى مَدَى السائرِ
قد بَرَّدَ الموتُ على جَنْبِه ... وطرفُه منكسِرُ الناظر
قال: وبلغ ذلك المأمون فاشتد عليه.
وذكر عن المدائني أن طاهرًا كتب إلى المأمون بالفتح:
أما بعد، فالحمد لله المتعالي ذي العزة والجلال، والملك والسلطان، الذي إذا أراد أمرًا فإنما يقول له كن فيكون، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
كان فيما قدر الله فأحكم، ودبر فأبرم، انتكاث المخلوع ببيعته، وانتقاضه بعهده، وارتكاسه في فتنته، وقضاؤه عليه القتل بما كسبت يداه وما الله بظلام للعبيد. وقد كتبت إلى أمير المؤمنين - أطال الله بقاءه - في إحاطة جند الله بالمدينة والخلد، وأخذهم بأفواهها وطرقها ومسالكها في دجلة نواحي أزقة مدينة السلام وانتظام المسالح حواليها وحد ري السفن والزواريق بالعرادات والمقاتلة، إلى ما واجه الخلد وباب خراسان، تحفظًا بالمخلوع، وتخوفًا من أن يروغ مراغًا، ويسلك مسلكًا يَجِدْ بِهِ السبيل إلى إثارة فتنة، وإحياء ثائرة أو يهايج قتالًا بعد أن حصره الله عز وجل وخذله، ومتابعة الرسل بما يعرض عليه هرثمة بن أعين مولى أمير المؤمنين، ويسألني من تخلية الطريق له في الخروج إليه واجتماعي وهرثمة بن أعين؛ لنتناظر في ذلك، وكراهتي ما أحدث وراءه من أمره بعد إرهاق الله إياه، وقطعه رجاءه من كل حيلة ومتعلق، وانقطاع المنافع عنه، وحيل بينه وبين الماء؛ فضلا عن غيره؛ حتى همّ به خدمه وأشياعه من أهل المدينة ومن نجا معه إليها، وتحزَّبوا على الوثوب به للدفع عن أنفسهم والنجاة بها، وغير ذلك مما فسرت لأمير المؤمنين أطال الله بقاءه مما أرجو أن يكون قد أتاه.
وإني أخبر أمير المؤمنين أني روّيت فيما دبر هرثمة بن أعين مولى أمير المؤمنين في المخلوع، وما عرض عليه وأجابه إليه، فوجدت الفتنة في تخلُّصه من موضعه الذي قد أنزله الله فيه بالذلة والصغار وصيره فيه إلى الضيق والحصار تزداد، ولا يزيد أهل التربص في الأطراف إلا طمعًا وانتشارًا، وأعلمت ذلك هرثمة بن أعين، وكراهتي ما أطمعه فيه وأجابه إليه؛ فذكر أنه لا يرى الرجوع عما